وأمّا قتيلُ المَحِلَّةِ، فليس بشُبْهَةٍ؛ لأنّ العدوِّ قد يُلقي القتيلَ على غيره، وذلك معلومٌ حقيقةً، موجودٌ عادةً.
وأمّا قولُ المقتولِ: دَمِي عنْدَ فُلانٍ؛ فإنّ مالكًا إنّما تعلَّقَ فيه بما رَوَى عنه كُبَرَاءُ
أصحابه حديث: بَقَرَةِ بني إسرائيلَ حينَ قامَ المقتولُ فقال: "دَمِي عِندَ فُلانٍ" و"فُلانٌ قتَلَنِي" (١).
فإن قيل: هذه الآيةُ لا حُجَّةَ فيها من وجهين:
أحدُهما: أنّه شَرْعُ من قَبلَنا.
والثّاني: أنّها آيةٌ، والأحكامُ إنّما تُبْنَى على الدَّلالاتِ لا على الآياتِ والمعجزات.
قلنا: أنا شَرْعُ من قَبْلَنا، فشرعٌ لنا (٢) من غيرِ خلافٍ في المسائلِ المالكيّةِ.
فلمَّا (٣) قال الميِّتُ: "دَمِي عِندَ فُلَانٍ"، قال مالك (٤): هذا ممّا يُبَيِّنُ أنّ قولَ الميِّتِ: "دَمِي عند فُلان" مقبولٌ وُيقسِمُ عليه.
فإن قيل: هذا كان آية ومعجزة على يَدَيْ موسى لبني إسرائيلَ.
(١) يقول المؤلِّف في الأحكام: ١/ ٢٤ وقد استدلّ مالك في رواية ابن القاسم وابن وُهْب عنه على صحة القول بالقَسامَة بقول المقتول: دمي عند فلان بهذا". والحديث رواه ابن حزم في المحلّى: ١١/ ٨٠ وضعَّفَه ورد على المالكية وشنّع عليهم. وقال ابن عبد البرّ في الاستذكار: ٢٥/ ٣٢٦ "وقد احتجّ أصحابُنا انظر على سبيل المثال المعونة: ٣/ ١٣٤٧ لقوله: "دمي عند فلانًا بقتيل بني إسرائيل إذ أحياه اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فقال: "قتلني فلان" فَقُبِلَ قولُه. وهذه غفلَةٌ شديدة أو شَعوَذَة"؛ لأنّ الّذي ذُبحت البقرة من أجله وضرب ببعضها كانت فيه آيةٌ لا سبيل إليها اليوم، فلا تصحُّ إِلَّا لنبيٍّ أو بحضرة نبيٍّ".
(٢) يقول المؤلِّف في الأحكام: ١/ ٢٤ "بيّنّا أنّ الصّحيح القول بلزوم شرع مَنْ قَبلَنا لنا ممّا أخبرنا به نبيّنا - صلّى الله عليه وسلم - عنهم دون ما وصل إلينا من غيره، لفساد الطّرق إليهم؛ وهذا هو صريح مذهب مالك في أصوله كلّها".
(٣) انظر الكلام التالي في الأحكام: ١/ ٢٤ - ٢٥.
(٤) في المدوّنة: ٤/ ٤٩٢ بنحوه.