موضوعٌ مُنكَرٌ، لا يُختَلَفُ في نَكَارَتِهِ وضعْفِهِ (١)، وأنّه موضوعٌ، وبنسبون وَضعَهُ إلى محمّد بن الحسن بن زبالة المدني، وحملوا عليه فيه وتركوه (٢). فهذا ممّا احتجّوا به وجعلوه أصلًا في هذا المعنى.

قلنا (٣): لا حجّة فيه لضَعفِه.

وأيضًا: فإنّه لو كان صحيحًا لم تكن فيه حجّة؛ لأنّه ليس على عمومه، ومعناه: فأَسْكِنِّي أحبَّ البقاع إليك بعد مكّة، بدليل ما تقدّم من أنّ مكّة أفضل من المدينة بالنّص الّذي ذكرناه (٤)، وبما رَوَى (٥) ابن وهب عن مالك أنّ آدم - صلّى الله عليه وسلم - لَمَّا أُهبِطَ من الجنَّة إلى أرضِ الهند قال: "يا ربِّ هذه أَحَبُّ الأرضِ إليكَ أنّ تُعْبَدَ فِيهَا؟ قَالَ: بَلْ مَكَّةُ، فسار آدمُ حتّى أتَى مكّة فوجدَ عندها ملائكة يطوفونَ بالبيتِ ويَعبُدُونَ الله، فقالوا: مرحبًا يا آدم يا أبا البَشَرِ، إنَّا ننتظرُكَ هاهنا منذُ أَلفَي سَنَةٍ" فهذه حكايةُ مالكٍ وقولُه وخَبَرُه عن مكَّةَ.

ومن فضيلة مكّة: ما جعل الله فيها من الأمر العظيم، أنّ جعلَ قِبلته إليها وبيته فيها، ورِضَا الله عن عباده بحطِّ أوزارهم، بأن يقصد المقاصد حاجًّا مرّة من عمره، فيحطَّ الله عنه ذنوبه ويأمن النّار (٦).

(١) يقول ابن حزم في المحلّى ٧/ ٤٥٣ "وهذا موضوع من رواية محمّد بن الحسن بن زبالة" ويقول العز ابن عبد السّلام في قواعده: ٨٠ "فهذا حديث لم يصحّ عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - "، ويقول ابن تيمية في مجموع الفتارى: ٢٧/ ٣٦ "فهذا حديث موضوع كذب، لم يرره أحد من أهل العلم".
(٢) قال عبّاس الدرري عنه: "ليس بثِقَةٍ، كان يسرق الحديث ... كان كذَّابًا ولم يكن بشيء"، وقال الدّارمي: "ليس بثقة" وقال أبو زرعة: "واهي الحديث" انظر: تاريخ عبّاس الدّوري: ٢/ ٥١٠ - ٥١١، وتاريخ الدارمي (التّرجمة: ٧٩٤)، وأسامي الضعفاء لأبي زرعة (التّرجمة: ٢٨٣)، وتهذيب الكمال: ٦/ ٢٧٧ (٥٧٣٧).
(٣) القائل هنا هو المؤلِّف، فبعد أنّ ساق كلام ابن عبد البرّ عقب عليه بتأكيده هذا.
(٤) الدّليل السابق اقتبسه المؤلِّف من المقدِّمات: ٣/ ٤٧٩، وذكر نحوه الزركشي في إعلام الساجد: ١٩٥ وقال: "وهذا التّأويل متعيِّن لتجتمع به الأحاديث ولا تتضاد".
(٥) هذه الحكاية مقتبسة من الاستذكار: ٢٦/ ١٧ فقد وردت مُسنَدَةً فيه.
(٦) انظر قواعد الأحكام: ٧٨.