أنّ يكون. وأنَّ المعنى فيه: أمرتُ بالهجرة إلى قريةٍ تُفْتَحُ القُرَى منها (١)، أي المدن، فكان ذلك كما قال، كان في حياته وبعد مماته، ولا دليل فيه على أنّ المدينة أفضل من مكّة على ما تقدّم من الأدلّة.

وقد قال علماؤنا (٢): هذا كلامُ عمومٍ، ومعناه الخصوصُ؛ لأنّها لم تَنفِ من النَّاس على عهد رسول الله وفي حياته إلَّا مَنْ لا إيمانَ له ولا خيرَ فيه ممّن رغِبَ بنفسه عن نَفسِ رسول الله ونُصرتِهِ وصُحبته.

والدّليل على أنّ ذلك كلامٌ خرجَ على صحبته والمقام معه في حياته: خُروجُ الجِلَّةِ من الصَّحابةِ عن المدينة بعد وفاته إلى العراق والشّام وسائر البلدان، يُعلِّمون النَّاسَ الدِّينَ والقرآن، فكان منهم من سكن حمصَ ودمشقَ وغيرها من بلاد الشّام، وكان منهم من سكن الكوفةَ والبصرةَ وسائر بلاد العراق.

حديث هشام بن عُروَة (٣)، عن أبيه؛ أنَّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "لا يَخرُجُ أَحَدٌ مِنَ المَدِينَة رَغبَةً غنها، إِلَّا أَبدلَهَا الله خَيرًا مِنهُ".

الإسناد (٤):

هذا الحديث مقطوع، وقد وَصَلَهُ مَعْنُ بنُ عيسى، عن مالك في "الموطَّأ" عن عائشة (٥)، وقد رُوِيَ أيضًا مُسنَدًا من حديث أبي هريرة (٦)، وجابر (٧).

(١) وهو ما أكده ابن حبيب في تفسيره لغريب الموطَّأ: الورقة ١٣٩ حيث قال: "منها افتتحت المدائن كلّها بالإسلام".
(٢) الكلام التالي مقتبس من الاستذكار: ٢٦/ ٢٥.
(٣) في الموطَّأ (٢٥٩٥) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٨٥٠)، والقعنبي عند
الجوهري (٧٦٥).
(٤) كلامه في الإسناد مقتبس من الاستذكار: ٢٦/ ٢٦.
(٥) وقد أشار إلى هذه الرِّواية الجوهري في مسند الموطَّأ: ٥٧٢، وابن عبد البرّ في التمهيد: ٢٢/ ٢٧٨، والدّاني في الأيماء: ٢٣٨/ أ.
(٦) رواه مسلم (١٣٨١).
(٧) رواه البزار في مسنده (١١٨٦)، والبيهقي في دلائل النبوة: ٦/ ٣٣٠، والحاكم: ٤/ ٤٥٤ وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة".