فأمَّا ما يقتضي أنّ جميع وقتها وقت اختيار: أنّ من رجا أنّ يُدْرِك الماءَ قبلَ طُلوعِ الشّمسِ لم يتيمّم، فلو كان وقت الاختيار إلى الإسفار، لرَاعَى الإسفارَ في جوازِ التيمُّمِ، كما راعَى مَغِيبَ الشَّفَقِ في التّيمُّمِ للمغربِ.
الفائدة الرّابعة:
صلَّى الصُّبْحَ في اليومِ الثّانِي حينَ طلعَ الفجرُ، وطلوعُ الفجرِ هو ظهورُهُ في الأُفُقِ.
والفجرُ (١) عندنا هو البياضُ -أعني بياضَ النّهارِ- الظّاهِرُ في الأفُقِ المُنْتَشِرِ المُسْتَّطيرِ البيِّنِ المستنيرِ، تُسَمّيه العربُ الخيط الأبيض، كما قال تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} الآية (٢) يريد بياض النَّهارِ من سَوَادِ اللَّيلِ، قال أبو دُؤَادٍ الإيادِيُّ (٣):
فَلَمّا أضَاءَت لَنَا سُدْفَةٌ ... وَلاحَ مِنَ الصُّبْحِ خَيْطٌ أَنَارَا
وتسميه العرب أيضًا الصَّديع، ومنه انصداع الفجرِ.
والفجرُ مصدرٌ من قولهم: فجر الماء وتفجَّر فجرًا، إذا جرى وانبعثَ (٤).
والفجرُ فجران، فالأوّل تسمِّيه العرب الكاذب، وهو البياضُ المرتفعُ في الأُفُقِ، وُيشَبَّهُ بذنب السّرحان لارتفاع ضوئه، لا يحل الصّلاة ولا يحرّم الطّعام.
والفجر الثاني هو الصّادق، وهو المعترض في الأفُقِ، آخذا من القِبْلةِ، إلى دُبرِ القِبلَة، وهو الّذي يحرِّمُ الطعامَ ويحلِّلُ الصّلاةَ.
(١) من هنا إلى آخر قوله: (انصداع الفجر) مقتبس من الاستذكار: ١/ ٤٩ (ط. القاهرة)، وانظر التمهيد: ٤/ ٣٣٥.
(٢) البقرة: ١٨٧.
(٣) في ديوانه: ٣٥٢.
(٤) يقول المؤلِّف في الأحكام: ٣/ ١٢٢٠ "الفجر: يعني سيلان الضوء، وجريان النور في الأُفُقِ، من فجر الماء وهو ظهوره وسَيَلانه فيكون كثيرًا، ومن هذا الفَجْر. وهو كثرة الماء. وهو ابتداء النّهار وأوّل اليوم"، وانظر العارضة: ١/ ٢٦١ - ٢٦٢