والمعنى في الحديث الأوّل، قال العلماء (١): إنّما لم يسلِّم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - على ذلك الرَّجل ولا ردَّ عليه؛ لأنّه رآه مزهوًا بلبسه، ولأن الثَّوبين كانا أحمرين بالعصفر والزَّعفَرَان، فكرهَ ذلك؛ لأنّه مخصوص بالنِّساء، بخلاف الصّبغ الأصلّيّ فإنّه مأذون فيه.

تنبيه (٢):

ومن أجل هذا الحديث الوارد من طريق مجاهد، المعترض في سنده (٣)، أدخل مالك عن نافع عن ابن عمر؛ أنَّه كان يلبس الثّوب المصبوغ بِالمَشْقِ (٤) والزَّعفَرَانِ (٥)، فنافع أثبتُ من مجاهد، ولو استوى السَّنَد لكان سند نافع أوْلى وأثبت.

الأصفر: لم يردّ فيه حديث، لكنّه ورد مُمَدَّحًا في القرآن، قال في صفة البقرة: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} الآية (٦).

وأُسنِدَ إلى ابن عبّاس؛ أنَّه من طلب حاجةً على بُلغَةٍ صفراء قُضِيَتْ حاجَتُه؛ لأنّ حاجةَ بني إسرائيل قُضِيَت بجلد أصفر (٧)، وهذا من غَوص ابن عبّاس على المعاني.

الأسود: في الصّحيح عن عائشة، قالت: "خَرَجَ رَسولُ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - وعليه ثَوبٌ أسود" (٨)، وقد كانت رَايَتُه سَودَاء (٩).

(١) انظر هذه الفقرة في القبس: ٣/ ١١٠٢.
(٢) انظره في القبس: ٣/ ١١٠٢.
(٣) انظر تعليقنا رقم: ٢ من الصفحة السابقة.
(٤) هو الطِّين الأحمر.
(٥) أخرجه مالك في الموطَّأ (٢٦٤٧) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٩٠٢)، وسويد (٦٨٨).
(٦) البقرة: ٦٩.
(٧) لم نعثر على هذا الأثر، وقد توسع في شرح هذه الآية في معرفة قانون التّأويل نسخة الأوسكريال فانظره.
(٨) أخرجه مسلم (٢٠٨١) بلفظ: "خرج النّبيُّ ذات غداةٍ، وعليه مِرْطٌ مُرَحَّلٌ من شَعَرٍ أَسَوْدَ".
(٩) أخرجه من حديث ابن عبّاس: التّرمذيّ (١٦٨١) وقال: "هذا حديث غريب"، وابن ماجه (٢٨١٨)، والطبراني في الأوسط (٢١٩) وقال: "لا يروى هذا الحديث عن ابن عبّاس إلّا بهذا الإسناد، تفرَّدَ به حيّان بن عبيد الله". كما أخرجه البيهقي: ٦/ ٣٦٢.