حديث مالك (١)؛ عَنْ عَمِّهِ أَبيِ سُهَيلِ بنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ كَعْبِ الأَحبَارِ؛ أَنَّ رَجُلًا نَزَعَ نَعلَيهِ، فَقَالَ لَهُ: لِمَ خَلَعتَ نَعلَيكَ؟ لَعَلَّك تَأَوَّلْتَ هَذهِ الآيةَ: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} (٢) ثُمَّ قَالَ كَعبُ الأَحبَارِ: أتَدرِي مَا كَانَتَا نَعْلَا مُوسَى عَلَيهِ السّلَامُ؟
قالَ مالكٌ: مَا أَدرِي مَا أَجَابَهُ الرُّجُلُ (٣)، فَقَالَ كَعبٌ: كَانَتَا من جِلدِ حِمَارٍ مَيَّتٍ.
المعاني (٤):
قوله: "لِمَ نَزَعتَ نَعْلَيكَ" هذا على معنى الإنكار لفعله، أو توقُّع فعله على وجهٍ ممنوعٍ.
ويحتملُ أنّ يكون إنّما أنكر عليه خلع نعليه لصلاة، أو ما أشبهها من دخول مسجد، أو دخول الحرم بالنَّعلين.
ويحتمل أنّ يكون أنكر عليه خَلع نَعلَيه حال الجلوس، إيثارًا للبسهما على كلّ الأحوال، إِلَّا أنّ يمنع من ذلك مانع.
فأمّا دخولُ الحرمِ أو المسجد الحرام بالنَّعلين فمباحٌ، وقد سئل مالك عن الطّواف بالنَّعلين فأجازَه.
الثّانية (٥):
قولُه تعالى: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} (٦) فقيل: معنى "طُوَى" يقول: طَأِ الأرض بقَدَمَيك حافيًا، قاله مجاهد، فذهب كعب الأحبار إلى أنّه أُمِرَ بخَلْع نَعلَيه لمَا كانت من جلد حمارٍ ميِّت، فأُمِرَ ألّا يطأ الأرض المقدَّسة بهما لنجاستهما، وبذلك قال قتادة وعِكرِمَة.
(١) في الموطَّأ (٢٦٦١) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٩٢١)، وسويد (٦٩٦).
(٢) طه: ١٢.
(٣) "أي: لا أدري أأجابه أم لم يجبه، ولا بماذا أجابه، وذلك لأنّ مثل هذا الاستفهام المقصود منه التعليم لا يحتاج إلى جواب من المسؤول، بل الغالب أنّ يلقيه السائل ثمّ يجيب عنه، وهو مثل قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} "، قاله ابن عاشور في كشف المغطّى: ٣٤٩ - ٣٥٠.
(٤) كلامه في المعاني مقتبس من المنتقى: ٧/ ٢٢٧ - ٢٢٨، والذي نرجح أنّ الباجي اعتمد بدوره على الاستذكار لابن عبد البرّ القرطبي: ٢٦/ ١٩٩ - ٢٠٠.
(٥) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٧/ ٢٢٨.
(٦) طه: ١٢، وانظر واضح السبيل إلى معرفة قانون التّأويل: ١١٨/ ب.