ذلك إليه ليصرف ما فضل عنه من ذلك حيث شاء من المواساة أو إيثار من رأى إيثاره. فلمّا رأى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قيام أنَس عليهم على تلك الحال تَوهَّمَ ما أتَى به، فسأله عنه تحقيقًا له، فلمّا أخبره به، قال لمن معه من النَّاس: "قُومُوا" فدعاهم إلى ما دُعِيَ إليه لما علم من أنس أنّه (١) يحبّ ذلك.
السّابعة (٢): في كيفية إتيان الدّعوات والولائم والأطعمة
وهي متنوعة، وتنقسم على خمسة أقسام:
١ - منها: ما يجب على المدعوِّ إليها إجابةُ الدّاعي إليها، ولا يجوز التخلُّف عنها إِلَّا لعُذْرٍ، وهي دعوة الوليمة الّتي أمر رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - بها وحضَّ عليها وأمر بإجابة الدّاعي إليها، وأن من لم يجب فقد عصى الله ورسوله (٣).
٢ - ومنها: ما تُستحبُّ الإجابة إليها، وهي المأدبة الّتي يفعلها النَّاس والرّجل للخاصّ من إخوانه وجيرانه على حُسْنِ العِشْرة وإرادة التَّوَدُّد والألفة.
٣ - ومنها: ما يجوز إجابة الدّاعي إليها ولا حَرَجَ عليه في التخلُّف عنها، وهي ما سوى دعوة وليمة العرس من الدَّعَواتِ الّتي تصنع على جري العادة دون قصد مذموم، كدعوة العقيقة والوكيرة والخُرْس والإعذار وما أشبه ذلك.
٤ - ومنها: ما يُكرَهُ إجابة الدّاعي إليها، وهو ما يُقْصَد به منها قصدًا مذمومًا من تطاولٍ وامتنانٍ وابتغاءِ مَحْمَدَةِ النَّاس وشُكْرِهِم وما أشبه ذلك، لا سيّما لأهل الفضل والأحساب؛ لأنّ إجابتهم إلى مثل هذه الأطعمة فيه إضاعةُ التَّعاوُنِ وإخلاف الهيبة عند دناءة النَّاس وسبب لإذلال أنفسهم، فقد قيل: ما وضع أحدٌ يدهُ في قصعة أحدٍ إِلَّا ذلّ له (٤).
٥ - ومنها: ما تحرم الإجابة إليها، وهي ما يفعله الرّجل لمن يحرم عليه قَبول
(١) أي أبا طلحة.
(٢) هذه الفائدةُ مقتبسة من المقدِّمات الممهِّدات: ٣/ ٤٥٥.
(٣) قوله: "وأن من لم ... الخ" من إضافات المؤلِّف على نصِّ ابن رشد.
(٤) أخرجه أبو نعيم في الحلية: ٧/ ٥٩ من قول سمان الثَّوري، وأورده الذّهبي في سير أعلام النّبلاء: ٧/ ٢٤٣.