فذلك هو الّذي يُخفَى.

وعن ابنِ عبّاس؛ قال: "كان رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - يَجزُّ شَارِبَهُ (١) وهذا قد خُولِفَ فيه رَاوِيهِ، فقيل فيه: "يَقُصُّ شاربَه" (٢) وذُكِرَ عن ابن عبّاس، قال: كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - يَقُصُّ من شارِبِه، وكان خليلُ الرَّحمن إبراهيم -عليه السّلام- يَقُصُّ من شَارِبِه (٣).

وأمّا ما رُوِيَ عن عمر أنّه كان ربّما فَتَل شاربه إذا اهتمَّ (٤)، فهذا لا حُجَّة فيه؛ لأنّه لابدّ للمرءِ أنّ يترُكَ شارِبَهُ حتّى يكون فيه الشَّعَر ثمّ يحلقه بَعْدُ.

وقال بعضُهم في حديث ابن عمر هذا: حتّى يَرَى بياضَ الجِلْد (٥).

وليس عندنا إحفاء الشّارب حَلقُه، وإنّما هو الأخذ منه يسيرَا، ورأى أنّ يُؤَدَّبَ من حلق شارِبَهُ (٦).

المسألة الثّانية (٧):

قوله:" اعْفُوا اللَّحَي" فقال أبو عبيد (٨): يعني وفّروا اللَّحَي لتكثر، يقال منه: عفا الشَّعر إذا كَثُرَ، وقد عفوتُ الشَّعر وأعفيتُه لغتان.

وقال ابنُ الأنباري (٩) وغيره: عفا القومُ إذا كَثرُوا، وعَفَوا إذا قَلُّوا، وهو من

(١) أخرجه أبو يعلى (٢٧١٥)، والطحاوي في شرح معاني الآثار: ٤/ ٢٣٠
(٢) هي رواية ابن أبي شيبة (٢٥٥٠٣)، وانظر تعليقنا التالي.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة (٢٥٥٠٣) ومن طريقه ابن عبد البرّ في الاستذكار: ٢٧/ ٦٣ - ٦٤، كما أخرجه أحمد: ١/ ٣٠١، والطحاوي في شرح معاني الآثار: ٤/ ٢٣٠، والطبراني في الكبير (١١٧٢٥).
(٤) أخرجه أحمد في الحلل ومعرفة الرجّال (١٥٨٩) ومن طريقه الطبراني في الكبير (٥٤)، وأخرجه أيضًا الشيباني في الآحاد والمثاني (٧٨)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ٥/ ١٦٦ "رواه الطبراني ورجاله رجال الصّحيح، خلا عبد الله بن أحمد وهو ثقة مأمون، إِلَّا أنّ عامر بن عبد الله بن الزبير لم يدرك عمر".
(٥) ذكره مالك كما في العنبية: ٩/ ٣٧٢، ١٨/ ٢٣١، ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ٢٣١، وعنه ابن عبد البرّ في التمهيد: ٢١/ ٦٦.
(٦) عزا ابن عبد البرّ في الاستذكار: ٢٧/ ٦١ نحو هذا القول إلى الإمام مالك، من رواية ابن عبد الحكم، وهو في العتبية: ١٨/ ٢٣١، وانظر الجامع لابن أبي زيد: ٢٣٣، والبيان والتحصيل: ٩/ ٣٧٢
(٧) هذه المسألة مقتبسة من الاستذكار: ٢٧/ ٦٤ - ٦٥، ما عدا السَّطر الأخير فهو مقتبس من المنتقى: ٧/ ٢٦٦.
(٨) في غريب الحديث: ١/ ١٤٨، وانظر تفسير غريب الموطَّأ لابن حبيب: الورقة ١٧٤ ٢/ ١٩٦.
(٩) في الزّاهر: ١/ ٥٣٦، وانظر الاضداد له: ٧١ - ٧٣.