الجواب الثاني: وذلك أنَّ الله تعالى لم يجعلهما في الجنَّة لئلّا يشقّ ذلك على أوليائه بأن يروا في داره معبودَينِ قد عُبِدَا من دون الله. فالبردُ نوعٌ من العذاب، والحرُّ كذلك أيضًا. وفي ذلك للدُّنيا وللعالَمِ صلاحٌ وحِكمَةٌ وتدبيرٌ، لا يعلمها إلَّا اللّطيفُ الخبيرُ.
فائدة لغوية:
قوله:"إنَّ جهنَّم اشتَكَت إلَى رَبِّهَا" فأمّا جهنَّم، فمأخوذة من الجهامة، ويظهرُ ذلك في قوله تعالى: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} (١) وفي قول مالِكِ خَازِنِ النَّارِ حكايةً عنه: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} (٢) وذلك بَعْدَ طُولِ نِدَائِهِم ثمانين سَنَة.
تنبيهٌ على شرحِ:
قولُه:؛ اشتَكتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فقالت: يا رَبِّ! أكلَ بعضي بعضًا الحديث (٣)، قال
بعض علمائنا في خَلقِه النّار وعجائبها نكتة عجيبة فقال: "إنّ النّار خلقت على أربع: فنارٌ
تأكلُ ولا تَشرَبُ. ونارٌ لا تأكلُ ولا تَشرَبُ. ونارٌ تشرَبُ ولا تأكُلُ. ونارٌ تأكُلُ وتشرَبُ (٤) ".
شرح (٥):
"فأمّا النّار الّتي تأكُلُ ولا تشرَبُ، فنارُ الدُّنيا.
والنّارُ الّتي لا تأكُلُ ولا تَشرَبُ، فنارُ جهنَّم.
والنّارُ الّتي تأكُلُ وتَشرَبُ، فالنّار الّتي خُلِقَت منها الملائكة.
والنَّارُ الّتي تَشرَبُ ولا تأكُلُ، فالنّار الّتي خُلِقَت منها الشّمس، ومنها خُلِقَتِ الشّياطين".
(١) المؤمنون: ١٠٨.
(٢) الزخرف: ٧٧.
(٣) سبق تخريجه صفحة. ١٣٠.
(٤) القول التالي رواه أبو الشّيخ في العظمة (٦٢٥) عن معاوية بلاغًا.
(٥) هذا الشرح هو تتمة للأثر السابق ذِكرُهُ.