رَوَى جابر بنُ عبدِ الله؛ أنّه قال: قال - صلّى الله عليه وسلم -: "مَنْ أكلَ ثُومًا أو بَصَلًا فَليَعتَزِلنَا، أو قال: فَليَعتَزِل مَسْجِدَنَا، وَليَقعُدْ في بَيتِهِ" (١).
ورَوَى ابنُ وهب، عن يونس، عن الزُّهريّ؛ أنّه قال: "أُتِيَ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بطَبَقٍ من خضرَواتٍ"، الحديث (٢).
تنبيه على مقصد (٣):
قال الإمام الحافظ أبو بكر بن العربي -رضي الله عنه -: أدخل مالكٌ - رحمه الله - هذا الباب في هذا الموضع ليبيِّن لك أنَّ أوقاتَ الصّلواتِ للواحدِ والجماعةِ سواء، وذَكَرَ التَّحضِيضَ عليها. وعَلِمَ أنّها تتعلَّقُ بمحَلَّينِ: زمانٍ وهو الّذي بَيَّنَ. ومكانٍ وهو المسجدُ. فأراد أنّ يُفيدَكَ أنّ الصّلاةَ في الجماعةِ ليست بفَرْضٍ، إذ لو كانت فَرْضًا لما جازَ أنّ يُتَخَلَّفَ عنها بأكلِ الثُّومِ.
المأخذ الثّاني (٤) في التّعليل
اختلف العلماءُ في معنى هذا الحديث، هل هو مُعَلَّلٌ أو غير مُعَلَّلٍ؟
قال القاضي أبو بكر: فيه ثلاث عِلَلٍ:
العلَّةُ الأوُلى- قيل (٥): إنّما ذلك من أجل المَلَك، وهذا بَيِّنٌ في قوله: "إِنِّي أُنَاجي ما لا تُنَاجِي" (٦). وقولُه: "فإنَّ الملائكةَ تَتَأذَّى مِمَّا يَتَأذَّى منه بَنُو آدَمَ" (٧).
(١) أخرجه البخاري (٨٥٥)، ومسلم (٥٦٤).
(٢) أخرجه البخاري (٨٥٥)، ومسلم (٥٦٤) من حديث جابر. وأورد البخاري تفسير ابن وهب فقال: "وقال ابن وهب: يعني طَبَقًا فيه خضرات" وانظر إكمال المعلم: ٢/ ٤٩٨.
(٣) انظره في القبس: ١/ ١١٤.
(٤) انظره في القبس: ١/ ١١٢ - ١١٣.
(٥) قاله الخطّابي في أعلام السّنن: ١/ ٥٥٩.
(٦) تقدم تخريجه من حديث جابر.
(٧) سبق تخريجه، انظر التعليق السابق. ويقول المؤلِّف في العارضة: ٧/ ٣١٣ معلِّقًا على هذا الحديث: (وهذا نَصٍّ في أنّ لهم حكم البشر في المشموم وإن لم يأكلوا؛ لأنّ عَدَمَ أكلِهِم إنّما هو عادة أجراها الله فيهم لا طبيعة، فمنعهم عن الأكل وأبقى عليهم التكره والتلذذ بالرائحة".