قال الإمام: وهذا التّفصيل بالعكس أوْلَى؛ لأنّ الجَبَلِيّ أصله الماء، وقد جمد فهو كالجمدِ، ولأنّ الزَّرنِيخ والمائيّ أصله الماء فهو كالْجَمدِ.
وقيل إنّ الملْحَين سواء؛ لأنّ أصلهما الماء.
المسألة الرّابعة:
وهي إذا تَغَيَّرَ الماء بورق الشَّجر النَّابت عليه، فقال بعضهم: إنّه غير طهور (١)، وظاهر المذهب أنّه طهورٌ؛ لأنّه مِمَّا لا ينفكّ عنه غالبًا. ولأصحاب الشّافعيّ (٢) فيه وجهان: أحدهما: أنّه طهورٌ.
والثّاني: إنْ كان خريفيَّا فطهورٌ، كان كان ربيعيَّا فغير طهورٍ.
وفرَّقوا بينهما بوجهين (٣):
١ - أنّه تخرجُ من ورق الشَّجر الرّبيعيّ رطوبة مختلطة بالماء، بخلاف الخريفىّ فإنّها يابسات.
٢ - والثّاني: أنّ الرّبيعي قلَّ ما يتأثَّر من الشَّجر، فيُمْكِن صَوْن الماء عنه، بخلاف الخريفي فلا ينفكّ عنه.
المسألةُ الخامسة:
ماءُ البحار المملَّحة فإنّها طهورٌ، لقوله: "الطُّهورُ ماؤُهُ".
وقد حُكِيَ عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاصي أنّهما كرها استعماله وقالا: التّيَمُّم أحبّ إلينا منه (٤).
وهذا يردّه نصّ الحديث الّذي صدَّرَ به مالكٌ - رحمه الله - هذا الباب، وما رواه أبو هريرة أنّه قال عليه السّلام: "من لم يطهِّره البحرُ فلا طَهَّرَهُ اللهُ" (٥).
(١) نسب الباجي في المتفى: ١/ ٥٥ هذا القول إلى أبي العبّاس الإبباني.
(٢) انظر الحاوي الكبير: ١/ ٤٦.
(٣) انظرهما في التّعليقة للقاضي حسين: ١/ ٢٠٨.
(٤) أخرج رواية ابن عمر ابن أبي شيبة (١٣٩٣).
(٥) أخرجه الشّافعيّ في الأم: ١/ ٦، والدارقطني: ١/ ٣٥، والبيهقي: ١/ ٤.