وقد رُوِيَ أنَّ رجُلًا دخل عليه فقال: عليك السّلام، فقال - صلّى الله عليه وسلم -: "هي تَحِيَّةُ المَيِّتِ" (١). فقيل: أشار به إلى التَّأبين كقوله (٢):
عَلَيْكَ سَلاَمُ اللهِ قَيْسَ بنَ عَاصِمٍ ... وَرَحمَتُهُ مَا شَاءَ أنّ يَتَرَحَّمَا
وكقوله (٣):
عَلَيكَ سلامٌ من أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ ... يَدُ اللهِ في ذَاكَ الأَدِيمِ المُمَزَّقِ
وقيل: هو منسوخٌ بهذا الحديث، وهو أصحّ منه.
الفائدة الخامسة (٤):
في قوله -عليه السّلام-: "دَارَ قومٍ مؤمنينَ" كَنَى بالدّار عن العَمَرَةِ لها، وذلك كثيرٌ في فصاحة العرب، تُعَبِّرُ بالمنزل عن أهله (٥).
وقوله: "مؤمنين" حَكمَ لهم عليه السّلام بالإيمان، إمَّا لما عَلِمَ من حالهم وكُشِفَ له عن غيبهم، وإمّا بظاهر الحال الّذي فارقُوة عليها، والحُكْمُ بظاهر الحال في الإيمان واجبٌ؛ من مَوْتٍ بشهادةٍ، أو التّكلُّمِ بكلمةِ التّوحيدِ عند المَنيَّةِ، ولذلك قال - صلّى الله عليه وسلم -: "أنا شَهِيدٌ على هؤلاءِ" (٦).
الفائدة السّادسة (٧):
قوله: "وإنَّا إنْ شاءَ اللهُ بكُم لاحقونَ" اختلف تأويل الشّارحين للحديث في هذا الاستثناء على خمسة أقوال:
(١) أخرجه أحمد: ٥/ ٦٤، والترمذي (٢٧٢١)، والنسائي في الكبرى (١٠١٥٠).
(٢) أي قول الشاعر عبدة بن الطّيب، والبيت في ديوانه: ٨٧.
(٣) أي قول الشاعر الشّماخ بن ضرار، والبيت في ملحق ديوانه:٤٤٨ الّذي صنعه صلاح الدين عبد الهادي. والبيت مخنلف في نسبته، انظر البيان والتبيين: ٣/ ٣٦٤.
(٤) انظرها في القبس: ١/ ١٥٢.
(٥) نقل هذا التفسير اليفرني في الاقتضاب: ١/ ٥٤ بدون عزوه إلى ابن العربي.
(٦) أخرجه البخاريّ (١٣٤٣) من حديث جابر.
(٧) انظر بعض هذه الفائدة في القبس: ١/ ١٥٢ - ١٥٣.