عمل بالحكم السّابق قبل بيان هذا الثّاني، أو قبل بلوغه إليه، فعملُه صحيحٌ وأَجرُهُ قائمٌ، وعلى هذا السبيل تكون السُّنَّة سَمحَة، ويكون الدِّين خاليًا عن الحرَجِ. وقد روى الدَّارقطنىُّ (١) عن النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال: " إذا التَقَتِ المَوَاسِي فقد وَجَبَ الغُسلُ" فَبَيَّنَ بقوله: "إذا التَقَى الخِتَانَان" أوّل الفعل، وبَيَّنَ بقوله: "إِذَا التَقَتِ المَوَاسِي" آخر الفعل، وأوضح أنّ الحكمَ فيهما واحدٌ.
وقولُه (٢) في الحديث؛ "إذا قَعَدَ بين شُعَبِهَا الأَربَعِ فَقَد وَجَبَ الغُسْلُ" (٣) قال الهروي (٤): "قيل: هي اليدان والرِّجلان. وقيل: بين رِجْلَيْها وشَفريْها".
إيضاح مشكل:
قوله: "إنَّمَا الماءُ مِنَ المَاءِ".
قال أبو عبد الله المازَرِيّ (٥): "هذا الحديث يحتجُّ به من لا يُوجِبُ الغُسْلَ من التقاء الخِتَانَين، وإنّما الحُجَّةُ به من جهة دليل الخطّاب، وقد اختلفَ أهل الأصول (٦) في القول به: فمن نفى دليل الخطّاب لم يكن عنده في الحديث حُجَّة. ومن أثبته صحَّ الانفصال بوجوه:
أحدها- أنّه قد قيل: إنّ ذلك كان في أوّل الإسلام ثم نُسِخَ.
والثّاني: أنّه قد يكون محمولًا على المنام أنّه لا يجب الاغتسال فيه إلَّا من الماء. وأمّا الحديث الّذي فيه أنّه خرج النَّبِيُّ - صلّى الله عليه وسلم - ورأسه يقطر ماءً، فقال له: لعلّنا أَعجَلنَاكَ (٧). فإن لم يُحمَل على الوَطْء في غير الفَرجِ، فيحمل على أنّه منسوخ" أصلًا.
(١) في سننه: ٢/ ١٨٩ من حديث عبد الرحمن بن الأسود.
(٢) هذه الفقرة مقتبسة من المعلم بفوائد مسلم: ١/ ٢٥٤.
(٣) أخرجه البخاريّ (٢٩١)، ومسلم (٣٤٨) من حديث أبي هريرة.
(٤) في الغريبين: ٣/ ٢٦٦.
(٥) في المعلم بفوائد مسلم: ١/ ٢٥٤.
(٦) انظر المقدمة في الأصول لابن القصار: "٨١ - ٨٧.
(٧) أخرجه البخاريّ (١٨٠)، ومسلم (٣٤٥) من حديث أبي سعيد الخدريّ.