الفصل الثّالث
في شرحِ قولِهِ -عليه السّلام-: "إذا سَبَقَ ماءُ الرَّجُلِ ماءَ المرأةِ أَو عَلاَ، أَشبَهَ الرَّجُلُ أَعمَامَهُ، وإذا سبقَ ماءُ المرأةِ ماءَ الرَّجُلِ أَو عَلاَ، أَشبَهَ الرَّجُلُ أَخوَالَهُ" (١)، وقوله في الحديث الآخر: "إذا سبقَ أحدهما الآخر".
قال علماؤنا: في هذا دليلٌ قويٌ على أنَّ الولَدَ يُخلَق من الماءين، ولا يكون من ماء واحد بوجهٍ، ولا على حالٍ؛ لأنّ الكَفَرَةَ من الأطِّبَاء قالوا: قد يكون الولد من الرَّغوَة أو الزَّبَد الّذي يتولَّدُ بينهما.
إيضاح مشكلٍ (٢):
فإن قيل: قد تعارض الحديثان في الظّاهر، فكيف الجمعُ بينهما؟ قلنا: وذلك أنّ تعلم أن للماءين أربعةَ أحوال (٣):
الأوّل: أن يخرُجُ ماءُ الرَّجُل أوَّلًا.
والثّاني: أن يخرجَ ماءُ المرأة أيضًا أوَّلًا.
الثّالث: أن يخرُجَ ماءُ الرَّجُل أوَّلًا ويكون أكثر.
والرّابع: أن يخرجَ ماءُ المرأة أوَّلًا ويكون أكثر. أو بالعكس من ذلك، ويجب على هذا الوجودُ الّذي أشار إليه النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- بقوله (٤): "من أَينَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟ " وإذا خرجَ ماءُ الرَّجُل أوَّلًا وعَلاَ وكان أكثر، جاء الوَلَدَ ذَكَرًا لحُكم السَّبْقِ، وأَشبَهَ الولدُ أعمامَهُ بحُكمِ الغَلَبَةِ والكَثرةِ. وإن خرج ماءُ المرأةِ أوَّلًا وكان أكثر من ماءِ الرَّجُلِ أو عَلاَ، جاء
(١) أخرجه بنحوه مسلم (٣١٤) من حديث عائشة.
(٢) انظره في القس: ١/ ١٧٥.
(٣) انظر الكلام التالي في أحكام القرآن: ٤/ ١٦٧٢ - ١٦٧٥.
(٤) في حديث الموطَّأ (١٢٧) رواية يحيى.