وقال أبو حنيفة (١): لا تطهير الأرض حتّى تحفر ويُجعَل عليها تراب طاهرٌ، وتعلّقوا بالحديث الّذي ذكرناه آنفًا في أمر النّبيَّ بالحَفْر (٢).
فأمّا الشّافعيّ فلا يلزمه؛ لأنّ الحديث السَّند فيه ضعيفٌ، والحديث الصّحيح عن عبد الله بن مَعْقِل مُرْسَلٌ، والشّافعيّ لا يرى القولَ بالمُرْسَلِ (٣).
وأما مالكٌ (٤) وأبو حنيفة فلزمهما لصحَّةِ المُرْسَلِ عندهما، لكن رجّحنا حديث أنس على حديث عبد الله بن مَعْقِل لوجهين:
أحدهما: أنّ المُسْنَدَ أَوْلَى من المُرْسَلِ.
الثّاني: أنّ أَنَسًا نقلَ ما شَاهَدَ، وعبد الله بن مَعْقِل ما سمع، والشّاهِدُ أَوْلَى، والمعنى يُغْنِي.
فإن حفَرَ الأرضَ ورماها في موضعٍ آخر؟ يلزم في ذلك ما يلزم في هذه كلِّها؛ لأنّ الأرض كلّها لنا مسجد.
المسألة السّابعة (٥):
الدَّلْوُ غير مقدَّر، وإنّما يلزم التكلُّف بما يغلبُ على ظَنِّهِ أنّه قد غَمَرَ النّجاسة، وتطيبُ نفسه بعد ذلك منها، لا خلافَ فيه.
المسألة الثّامنة (٦):
إذا بال رَجُلان كفاهُما دَلْوٌ واحدٌ، وقال بعض العلماء (٧): لا بُدَّ من دَلْوَين؛ لأنّ النّبيَّ -عليه السّلام- إنمّا جعل دَلْوًا في مُقابلة بَوْل رَجُل، وهذا ضعيفٌ؛ لأنّ المقصودَ
(١) انظر مختصر الطحاوي: ٣١.
(٢) انظر تلخيص الحبير: ١/ ٣٧.
(٣) انظر الرسالة: ٤٦٧.
(٤) يقول ابن القصار في مقدمته: ٧١ "ومذهب مالكٌ. رحمه الله. قبُولُ الخبر المُرْسَل إذا كان مُرْسِلُه عَدْلًا عارفًا بما أرسل" وانظر التمهيد: ٢/ ١.
(٥) انظرها في العارضة: ١/ ٢٤٦.
(٦) انظر نحوها في العارضة: ١/ ٢٤٦.
(٧) هما الأنماطي والاصطخري، كلما صرح بهما في العارضة.