تنبيه في بسم الله الرّحمن الرّحيم:
أجمعَ النّاسُ على أنّ يُكْتبَ مع أمِّ القرآن وفيه، وثبوتة في الخطِّ. ولم يجمع أنّه قرآن. فمن حلَفَ أنّه قرآن لم يلزمه شيءٌ لما قيل إنّه قرآن. وكذلك من حَلَفَ أنَّه ليس بقرآن، لم يلزمه أيضًا شيءٌ لأنّه قد قيل. وإنمّا أُذخِلَ في القرآن للفصل بين السُّوَرِ. ومن النّاس من يجعله سابع آيات الحمد، فيعتمد عليه بقسمتها، فلو كان من الحمد لم يقسم بينهما وبين الله، كما روي في الحديث، وقال العلماء بهذا.
الفقه:
قال الشّافعيّ (١): هي آية من القرآن، وقال مالكٌ: ليست بآية من القرآن (٢).
وهذا (٣) الحديث دليلٌ (٤) على أنّ بسم الله ليست آية من القرآن.
وأما قراءة "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" في النّوافل (٥)، فالّذي عليه شيوخنا العراقيّون من المالكيَّين أنّه لا بأس به أنّ يقرأها (٦) في النّافلة في أوّل الحمد، وفي أوّل كلِّ سورة، وقال مثل ذلك ابن حبيب. ورَوَى ابنُ القاسم عن مالكٌ في "العُتْبِيّة" (٧): يستفتحُ القراءة بالحمد لله، ويقرأُ بعد ذلك بسم الله بين كلِّ سُورَتَيْن إلّا سورة براءة.
فقد حصل لنا العلم الضّرورة بنقل الكافّة؛ أنّ الحمد لله سورة من القرآن، ولم يثبت ولا وقع لنا العلم الضّروريّ أنّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية منها، فلا يجوز إثباته قرآنًا إلّا بنقل الكافّة. ووجدنا أهل المدينة بأسْرِهِم يقولون كونها من فاتحة الكتاب (٨)، مع اتِّصال البلوى بقراءتها (٩). والمسألة عظيمة الموقع وقد أملى الخطيب
(١) في الأم: ٢/ ١٥٤ - ١٥٥، وانظر الحاوي الكبير: ٢/ ١٠٤ - ١٠٥.
(٢) انظر الإنصاف لابن عبد البرّ: ١٥٣.
(٣) هذا السطر والفقرة الّتي بعده اقتبسهما المؤلِّف من المنتقى: ١/ ١٥١.
(٤) غ، جـ: "دلالة".
(٥) في النسخ: "وأما قوله: القرآن في النوافل بأن يفتتح بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" وهي عبارة مضطربة لا معنى لها، ولذا آثرنا إثبات ما في المنتقى.
(٦) في المنتقى:"يقرأ بها".
(٧) ١/ ٣٢٥.
(٨) انظر أحكام القرآن ١/ ٣.
(٩) يقول المؤلِّف في العارضة: ٢/ ٤٤ - ٤٥ "ثبت بالنّقل المتواتر من أهل المدينة إلى زمان مالكٌ أنّ مسجد رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - عَرَى عن الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فلا يُلْتَفَتُ بعد التّواتر إلى أخبار آحاد =