واحتجّ مَنْ زعمَ أنهما شيءٌ واحدٌ بقول العرب: حمدتُ فلانًا وشكرتُه، فلا يفرقُون بينهُما، وعَضَدُوا ذلك بقول العرب: الحمد لله شكرًا، فجعلوا الشُّكرَ مصدرًا للحَمدِ، ولولا أنهُما شيءٌ واحدٌ ما صَدروا به عنه.
تحقيق:
قال الإمام الحافظُ: والذي اتّفق عليه المحقِّقون من علمائنا أنّهما شيءٌ واحدٌ، وأن العربَ لا يفرِّقون بينهما، وهو وَهمٌ منهم.
وأمّا قولهم: إنهما شيء واحدٌ، فدَعْوَى، ومِن أين عَلِمُوا هذا الاعتقاد! ونحن نقول: إنّما جمعوا بينهما لمّا أُخبِرُوا أنّهم أَثنَوا عليه بصفاته وأفعاله معًا.
وأمّا حُجَّتُهُم: الحمدُ لله شكرًا، فهو ضعيفٌ؛ لأنّ العربَ قد تُجري المصدر على غير المصدر، وتذكُرُه من غير لفظ الفعل، ولكن تحمله على لفظه.
وأمّا الحمدُ، ففيه أقوال خمسة:
القولُ الأوّل: أنّ يكون "فَعِيلًا" من حامد، كقولنا: "عليم" من عالم، و"حكيم" من حاكم.
القول الثّاني: أنّ يكون "فعيلًا" بمعنى مفعول، كقولك: كفّ خضيب، ورجل قَتِيل.
القولُ الثّالث: أنّ يكون "فعيلًا" من الرِّضَى بالوجهين.
القولُ الرّابع - قال بعضهم: الحمدُ هو الرِّضَى، من قولك: حمدتُ كذا، إذا اخترته فرضيته، وحمدته إذا خَبِرْتَهُ محمودًا.
قال الإمام: والذي عندي من القولِ الصَّحيح ما قدَّمناهُ، من أنّه بمعنى الحمد الّذي هو الثّناء والمَدْحُ، وأنّه يجوز أنّ يكون فعيلًا من فاعلٍ، وفعيلًا من مفعولٍ.
وقال جماعة من العلماء: إنّ الحميد هو المستحقّ للحمد والمدح والثّناء, وإن البَشر لا يحمدونه في الحقيقة (١)، وما قدرَ أحدٌ أنّ يحمدَهُ إلَّا هو حمد نفسه، ألَّا تَرَى أنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - كان يقول في سجوده: "لا أُحصِي ثَنَاءً عليكَ أنتَ كما أَثنَيتَ على نَفْسِكَ" (٢).
(١) غ: "بالحقيقة"، جـ: "البشر لا يحمده بالحقيقة".
(٢) أخرجه مالكٌ في الموطَّأ (٥٧١) رواية يحيى.