مخَافَةَ أنّ يكون قد حدثَ فيها تحريمٌ، فقال النّبيُّ صلّى الله عليه: "إنِّي نظرتُ إلى عَلَمِهَا" وهذا يدلُّ على كراهيّة الاشتغال عن الصَّلاةِ بالنَّظرِ إلى غيرها ممّا يقابل فيها (١) دون تَكَلُّفِ ولا قَصْدٍ. وإن لم يحرم علينا أنّ نلبس من الثّياب خيرها, ولا ما (٢) يمكن النّظر إليه في الصّلاة، فلذلك لم يمنع أبا جَهْمٍ من لباسها.
ويحتمل أنّ يفعل ذلك النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - لأحد معنيين:
١ - أحدهما: أنّ يكون ذلك واجبًا.
٢ - أو مندوبًا إليه.
حديث مالك (٣)، عن عبد الله بن أبي بكر؛ أنّ أبا طَلحَةَ الأنصاري كان يُصَلي في حائِطِه، فطارَ دُبْسِيٌّ، فَطَفِقَ يَتَرَدَّدُ يَلتَمِسُ مَخرَجًا، فأعجَبَهُ ذلك، فجعلَ يُتْبِعهُ بَصَرَهُ ساعةً. ثمّ رجعَ إلى صَلاتِهِ.
الحديث صحيحٌ، وله طُرُقٌ ومعانٍ (٤).
الأصول (٥):
قوله (٦): "لَقَدْ أَصَابَتْنِي في مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ" قال الإمام: وأَصْلُ الفتنة: الاختبار، قال الله العظيم: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} (٧) إلَّا أنّ لفظ الفتنة إذا أُطلِقَ فإنّما يُستَعمَلُ غالبًا فيما أخرجه الاختبار إلى غير الحقِّ (٨)، يُقالُ: فلانٌ مفتونٌ، بمعنى أنّه اخْتُبِرَ فوُجِدَ على غير الحقِّ. وتكون الفتنة بمعنى الميل (٩) عن الحقِّ، قال الله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} (١٠) أي: تميل إليهم.
(١) جـ: "ما يقابل فيها"، وفي المنتقى: " ... غيرها يقلبه فيها".
(٢) "ما" زيادة من المنتقى.
(٣) في الموطَّأ (٢٦١) رواية يحيى، ورواه عن مالكٌ: سويد (٣٢٢)، والزهري (١٥٦)، وابن المبارك في الزهد (٥٢٦)، وابن بكير عند البيهقي: ٢/ ٣٤٩.
(٤) الّذي قاله ابن عبد البرّ في التمهيد: ١٧/ ٣٨٩ هو: "هذا الحديث لا أعلمه يروى من غير هذا الوجه، وهو منقطع".
(٥) كلامه في الأصول مقتبس من المنتقى: ١/ ١٨١.
(٦) في حديث الموطَّأ (٢٦١) رواية يحيى.
(٧) طه:٤٠.
(٨) في المنتقى: "الاختبار عن الحقّ".
(٩) في النسخ: "الميلة" والمثبت من المنتقى.
(١٠) الإسراءِ: ٧٣.