توضَّأ يومَ الجمعةِ فبِهَا ونِعْمَتْ، ومن اغتسلَ فالغُسْلُ أَفْضَلُ" وهذا نصّ.
والوجه الثّالث: حديث عمر إذ دخلَ عليه رجلٌ، فقال: ما زِدْتُ على أنّ تَوَضَّأتُ. الحديث إلى آخره (١).
وجه التَّعَلُّق به (٢): أنّ عمر وأصحابه أَعلَمُوا ذلك (٣) الرّجل بتأكيد الغُسْلِ وأقرُّوه على تركه، ولو كان فَرْضًا ما سمحوا له، لأنّ القوم كانوا أجلّ من أنّ يُقِرُّوه على مُنْكَرٍ.
والوجه الرّابع: أنّ النّبيَّ -عليه السّلام- أمر بالغُسْلِ لسبَبِ عِلَّةِ، رَوَت عائشة في الصّحيح الثّابت: أنّ النّاس كانوا يأتون الجمعة من العوالي وغيرها، وكانوا عُمَّال أنفسهم (٤)، ورُوِيَ أنهم كانوا يلبسون الصُّوف، فتظهر مثهم رائحة الضّأن (٥).
زاد النّسائي (٦): وكان يكون عليهم الوسَخ (٧) وتخرجُ روائحُهُم فيتأذَّى النّاسُ، فأمر رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - بالغُسلِ. فبيّنت عائشة- رضوان الله عليها- وجه العلَّة في ذلك، وارتبط الغسلُ بها، والفرائضُ المطلقة لا تتعلَّقُ بالعِلَلِ العارضة.
المسألة الثّانية:
قوله (٨): "كلِّ مُسْلِمٍ مُحْتَلِمٍ" دليلٌ أنَّه لا تجبُ الجمعةُ على الصَّبِيِّ، وهذا إجماعٌ. وكذلك أجمعوا أنّه لا جُمُعَةَ على النِّساء بحالٍ.
ففي (٩) هذا القول يقتضي تعلُّقَ هذا الحكم من العبادات بالاحتلام، وهي الخمس عشرة. ويقتضي أيضًا اختصاصه بالرِّجال؛ لأنّ اللّفظ تذكير مع أنّ الاحتلام معتبرٌ فيه. وأما الاحتلام في النِّساء فنادرٌ، وإنّما الاعتبار فيهنّ الحيض (١٠).
(١) أخرجه مالكٌ في الموطَّأ (٢٦٨) رواية يحيى.
(٢) غ، جـ: "فبه".
(٣) غ، جـ: "لذلك".
(٤) أخرجه البخاريّ (٩٠٢)، ومسلم (٨٤٧).
(٥) أخرجه أبو داود (٣٥٣) من حديث عكرمة.
(٦) في المجتبى: ٣/ ٩٣.
(٧) "الوسخ" زيادة من القبس.
(٨) هذه الفقرة مقتبسة من شرح البخاريّ لابن بطّال: ٢/ ٤٧٨.
(٩) من هنا إلى اخر المسألة مقتبس من المنتقي: ١/ ١٨٦.
(١٠) في المنتقي: "بالحيض".