قال: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَتِ الملاَئِكةُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسجِدِ، فَيَكتُبُونَ مَنْ أَتَى (١) الْجُمُعَةَ، فَإذَا خَرَجَ الإمَامُ طَوَتِ الصُّحُفَ. والمُهَجِّرُ إلى الجُمُعَةِ، كالمُهْدِي بَدَنَةً، ثم بَقَرَةً، ثمَّ شَاةً، ثُمَّ بَطَّةً، ثمّ عُصْفُورًا، ثم بَيْضَةً" (٢).
وقوله: "طَوَتِ الملائكةُ الصُّحُفَ" يعني صحف السَّابقين، وبَيَّنَ ذلك قوله: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} الآية (٣). يعني: السّابقين المسارعين، وذلك أنّ البارئ سبحانه جعل للملائكة صُحُفًا لا يشاركهم فيها أَحَدٌ, ولا يُكْتَب معها عملٌ، فتُطوَى عند انقضاء منزلة السَّبْقِ, ويُكْتَبَ من جاء أَوَّلًا في صُحُفِ الأعمال الصَّالحة والعبادات. وجعلَ مراتب الرَّواح في هذا الحديث سبعة: بَدَنَة، ثمّ بَقَرَة، ثم شَاة، ثم بَطَّة، ثمّ عصفورًا (٤)، ثمّ بيضة، وفي بعض الطُّرُقِ: "كَبْشٌ أَمْلَح".
قال الإمام الحافظ: وفائدةُ ذِكْر البَطَّة في هذا الحديث؛ أنَّه حيوانٌ متوحِّشٌ لا يوصَل إليه إلَّا بصَيْدٍ وكُلْفةِ، فكان أفضل من الدّجاجة في التّقرّب به (٥).
المسألة العاشرة (٦):
قال علماؤنا: في هذا الحديث دليلٌ على أنّ القُرْبَانَ بالبَدَنَة أفضل منها بالشّاة، ولا خلاف فيه في الحجِّ، واختلفوا في الأُضْحِية.
فمذهب مالكٌ أنّ الأُضْحِية بالغَنَم أفضل، وهو قويٌّ في الباب؛ لأنّ النّبىَّ عليه السّلام كان يضحِّي بالغنَم ويهدي البُدُنَ، فاتَّبَعْنَا السُّنَّةَ.
حديث: وقع في "البخاريّ" (٧) و"مسلم" (٨) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوء ثُمَّ أتَى الجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ" الحديث.
(١) في العارضة والمصادر الحديثية: "فكتبوا من جاء" أو "وكتبوا".
(٢) أخرجه أحمد: ٢/ ٢٥٩، والدّارمي (١٥٤٤)، والبخاري (٩٢٩)،ومسلم (٨٥٠)، والنّسائي في الكبرى (١٦٩٣).
(٣) الواقعة: ١٠.
(٤) زاد في العارضة: "ثم دجاجة".
(٥) م، غ: "في التّقدمة".
(٦) انظرها في العارضة: ٢/ ٢٨٤.
(٧) لم نجده في البخاريّ بلفظ المؤلِّف، وانظر نحوه (٢١١٩) مُطَوَّلًا.
(٨) الحديث (٨٥٧).