وحَسْب، وإنما أنزله مِنهاجًا للحياة، وصِراطًا مُستقيمًا، وطريقًا لَاحِبًا للوصول إليه تبارك وتعالى، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} الأنفال: ٢٤.فجعل اللهُ - عز وجل - الاستجابةَ له ولرسولِه الكريم - صلى الله عليه وسلم -: سَبيلًا للنجاة وللحياة الحقيقية.
فكان لِزامًا لذلك: أن تكون معاني القرآنِ واضِحةً جِليَّةً، كي تَقومَ الحجةُ على العباد بذلك، فَأبَان اللهُ - عز وجل - على لِسان رَسُولِه - صلى الله عليه وسلم - معاني القُرآن لأصحابه، وأوضح لهم ما خَفِي عليهم منه، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} النحل: ٤٤.
فحفظ أصحابُه - رضي الله عنهم - هذا البيان النبوي، وبلَّغوه مَن بعدهم، وهكذا لتكون الحجة قائمة إلى أن تقوم الساعة.
وما لم يأت فيه خَبَرٌ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه: قام له أساطِينُ العِلم وحَمَلةُ لِواءِ الشَّريعة، وحُفَّاظ الوَحي -الذين حَفِظَ اللهُ تعالى بهم هذا الدين-؛ ليفسروه ويَستَنبِطوا منه أحكامه التي خَفِيت، أو أُشْكِلَت.
فقام العلماءُ الذين لا يَتَّسِع هذا المقام لذكرهم وذِكْر مَناهجهم المختلفة في التفسير والبيان على نحو يَبهر الألباب = بتفسير كتاب الله - عز وجل - (١)، ومعرفة عامِّه وخاصِّه، ومُحْكَمِه ومتشابهه، ومُطْلَقِه ومُقَيَّدِه، وناسِخِه ومَنسُوخِه، وما كان منه مَكيًا وما كان مدنيًا، إلى آخر تلك القواعد المُحكمة
(١) وقد اختلفت مناهجهم وأغراضهم في ذلك، فمنهم من كان تفسيره أثريا؛ يعتمد على ما في محفوظه من آثار مسندة تتعلق بتفسير آي الكتاب الحكيم، أيًّا كان الموضوع الذي تتناوله الآية، ومنهم من كان تفسيره لغويًا، أو نحويًا، أو بلاغيًا، أو جامعًا لكل ما ذكرنا، أو فقهيًا مذهبيًا؛ وهذا الأخير هو الذي وسمه أكثرهم بقولهم: أحكام القرآن، وكتابنا الذي نحن بصدد تحقيقه من هذا النوع الأخير.