الفَرض عن نَفسِه؛ لأن عَمَل أَحدٍ في هذا، لا يُكْتَب لِغَيره.
واحتملت أن يَكُون معنى فَرضِها، غَيرَ معنى فَرضِ الصَّلاة، وذلك أن يكون قَصَد بالفَرْض فيها: قَصدَ الكِفَاية، فيكون مَن قام بالكفاية -في جِهادِ مَن جُوهِد مِن المُشركين- مُدركًا تَأْدِيةَ الفَرض، ونافِلَةَ الفَضْل، ومُخرِجًا مَن تَخَلَّف مِن المَأثَم.
قال الشافعي: «قال الله - عز وجل -: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} النساء: ٩٥.
قال الشافعي: فَوعَد المتخلفين عن الجهاد: الحُسْنى على الإيمان، وأبان فضيلةَ المُجاهِدين على القاعدين، ولو كانوا آثِمِينَ بالتَّخَلُّف -إذا غَزا غَيرُهم- كانت العقوبة والإثم، إن لم يَعْفُ الله، أولى بهم مِن الحُسنى.
قال الشافعي - رحمه الله -: وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} التوبة: ١٢٢.
فأخبر الله - عز وجل -: أن المسلمين لم يكونوا لِينفروا كافة، قال: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} فأخبر أن النَّفِير على بَعضِهم دون بعض، وأن التَّفَقُّهَ: إنما هو على بَعضِهم، دون بعض.
قال الشافعي: «وغَزَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وغَزَّى معه مِن أَصحابه بِجَمَاعةٍ، وخَلَّف آخَرين، حتى خَلَّفَ عَلِيَّ بنَ أبي طَالِبٍ - رضي الله عنه - في غزوة (١) تبوك.
(١) في «م» (غزاة).