تَعَادَى بنا خَيلُنا، فإذا نحن بِظَعِينةٍ، فَقُلنا: أَخْرجِي الكِتَاب، فقالت: ما مَعِي كِتابٌ، فقلنا لها: لَتُخْرِجِنَّ الكتاب، أو لَتُلْقِيَنَّ الثِّياب، فأخرجته مِن عِقَاصِهَا، فأتينا به رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فإذا فيه: مِن حَاطِب ابنْ أَبي بَلْتَعَة، إلى أُنَاسٍ مِنَ المُشركِين مِمَّن (١) بِمَكَّة، يُخْبرُ بَعضَ أَمْرِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.
فقال: ما هذا يا حاطب؟ فقال: لا تَعْجَل عَلَيَّ؛ إني كُنتُ امرأً مُلْصَقًا في قُرَيش، ولَم أَكُن مِن أَنْفُسِهَا، وكان مَنْ مَعَك مِنَ المُهَاجِرين لَهُم قَرابَات يَحْمُون بها قَرَبَاتهم، ولم يَكُن لي بمكة قَرَابَة، فَأحْبَبتُ- إذ فاتني ذلك- أَنْ أَتَّخِذَ عندَهُم يَدًا.
واللهِ مَا فَعَلتُه شَكًّا في ديني، ولا رضًا بالكُفر بعد الإسلام.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنه قد صدق.
فقال عُمَر: يا رسول الله، دَعْنِي أَضْرِب عُنُقَ هذا المُنافِق.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّهُ قَد شَهِدَ بدرًا، وما يُدْرِيكَ، لَعَلَّ اللهَ اطَّلَع على أَهل بَدرٍ، فقال: اعْمَلُوا ما شِئْتُم فَقد غَفَرتُ لَكُم.
ونزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} الممتحنة: ١» (٢).
(١٦٧) أخبرنا أبو سعيد، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، قال: قال الشافعي: «وفي هذا الحديث: طَرْحُ الحُكْم باستعمال الظُّنون؛ لأنه لَمَّا كان الكتابُ يَحْتَمِلُ أن يكون ما قال حَاطِبٌ، كما قال، مِنْ أَنَّه لم يَفْعَلْهُ شَكًّا في
(١) قوله: (ممن)، ليس في «د»، و «ط».
(٢) «الأم» (٥/ ٦٠٩) وأخرجه البخاري (٣٠٠٧)، وفي (٤٢٧٤)، و (٤٨٩٠)، ومسلم (٢٤٩٤) من طريق سفيان بن عيينة، به.