ثم أَمْرِ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: الخَيْرُ الذي لا يَعْتَاضُ مِنهُ مَن تَركَه.
قال الشافعيُّ: والذي يُشْبِهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وإيَّاه أَسْألُ التَّوفِيقَ: أن يَكُونَ أمره بالإشهاد في البيع: دِلالةً، لا حَتْمًا (١)، قال الله - عز وجل -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} البقرة: ٢٧٥. فَذكَر أَنَّ البيعَ حَلالٌ، ولم يذكر معه بَيِّنَةً.
وقال في آية الدَّيْن، والدَّيْنُ: تَبَايُعٌ، وقَد أَمَر اللهُ فيه بالإشهاد، فَبَيَّن (٢) المعنى الذي أَمَر لَه بِه، فَدَلَّ مَا بَيَّن اللهُ في الدَّيْن، على أَنَّ اللهَ أَمَر به عَلى النَّظَر والاخْتِيَار، لا عَلى الحَتْم.
قال اللهُ تبارك وتعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} البقرة: ٢٨٢، ثم قال في سياق الآية: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} البقرة: ٢٨٣.
فَلَمَّا أَمَر -إذا لم يَجِدُوا كاتبًا-: بالرَّهْن، ثم أَبَاحَ تَركَ الرَّهْنِ، وقال:
{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} = دَلَّ على أَنَّ الأمرَ (٣) الأول: دِلالَةٌ على الحَظِّ، لا فَرضٌ منه، يَعْصِي مَن تَركَه، واللَّهُ أَعْلَمُ» (٤).
ثم اسْتَدَلَّ عليه بالخبر (٥)، وهو مذكورٌ في مَوضِع آخَر.
(١) قوله: (حتما)، في «د»، و «ط» (حتما له).
(٢) قوله: (فبين)، في «د»، و «ط» (فتبين).
(٣) قوله: (دل على أن الأمر)، في «د»، و «ط» (فدل على الأمر).
(٤) «الأم» (٤/ ١٧٩: ١٨٠).
(٥) الذي أخرجه أبو داود (٣٦٠٧) وغيره، من حديث عمارة بن خزيمة، أن عمه، حَدَّثه -وهو من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتاع فرسًا من أعرابي، فاستتبعه النبي - صلى الله عليه وسلم - ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي، فيساومونه بالفرس، ولا يشعرون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتاعه، فنادى الأعرابيُّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إن كنت مبتاعًا هذا الفرس وإلا بعته؟ فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - = = حين سمع نداء الأعرابي، فقال: «أو ليس قد ابتعته منك؟ » فقال الأعرابي: لا، والله ما بعتكه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بلى، قد ابتعته منك» فطفق الأعرابي، يقول هلم شهيدا، فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - على خزيمة فقال: «بم تشهد؟ »، فقال: بتصديقك يا رسول الله فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادة خزيمة بشهادة رجلين.