وكُلَّ مَن اعْتَنَفَ (١) كَفَالَتَها: كَفَلهَا غَيرَ خَابِرٍ بما يُصْلِحُها، ولَعَلَّه لا يَقَعُ على صَلاحِها حَتَّى تَصِيرَ إلى غَيره، فَيَعْتَنِفُ مِن كَفَالَتِها غَيرُه.
وله وَجْهٌ آخَرُ يَصِحُّ: وذلك أَنَّ وِلَايَةَ وَاحِدٍ إذا كانت صَبِيِّةً، غَيرَ مُمْتَنِعةٍ مما يَمْتَنِعُ منه مَن عَقَل - يَسْتُر ما يَنبغِي سَتره (٢) - كان أَكرَمَ لها، وأَسْتَرَ عَليها، أَن يَكْفُلَها وَاحِدٌ، دُونَ الجَمَاعة.
ويَجُوزُ أَن تَكونَ عِندَ كَافِلٍ، ويَغْرَمَ مَن بَقِيَ مُؤْنَتَها بِالحِصَص،
كما تَكُون الصَّبيَّةُ عند خَالَتِها، وعند أُمِّها، ومُؤْنَتُها: عَلى مَن عَليه مُؤنَتُها.
قال: ولا يَعْدُو الذين اقترعُوا على كَفَالة مَرْيَم - عليها السلام - بِأَنْ يَكُونُوا تَشَاحُّوا عَلى كَفَالتِها -فهو أَشْبَه وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أو: يَكُونُوا تَدَافَعُوا كَفَالتَها، فَاقْتَرَعُوا أَيُّهُم يَلْزَمُه.
فَإذا رَضِيَ مَن شَحَّ على كَفَالتِها، أَن يَمُونَها = لم يُكَلِّف غَيرَه أَن يُعطِيَه مِن مُؤنَتِها شيئًا؛ بِرضَاهُ بالتَّطَوُّعِ بإخْراجِ ذَلك مِن مَالِه.
قال: وأَيُّ المَعْنَيَيْن كانَ، فَالقُرْعَةُ تُلْزِمُ أَحَدَهُم ما يَدْفَعُه عن نَفسِه، أو تُخَلِّصُ له ما تَرغَبُ فيه نَفسُه (٣)، وتَقْطَعُ ذَلك عَن غَيره، مِمَّن هو في مِثل حَالِه.
وهكذا قُرْعَةُ يُونُسَ - عليه السلام -، لَمَّا وَقَفَت بهم السَّفِينةُ، فقالوا: ما يَمْنَعُها أَنْ
(١) اعتنف: اعْتِنافاً إِذا جارَ وَلم يقْصِدْ، وأَصلُه من اعْتَنَفْتُ الشَّيءَ: إِذا أَخَذْتَه، أَو أَتَيْتَه غيرَ حاذِقٍ بِهِ وَلَا عالِمٍ. ينظر: تاج العروس (٢٤/ ١٨٨).
(٢) في «م»: (يسر ما ينبغي سره).
(٣) قوله: (نفسه)، في «م» (لنفسه).