تَجْري إلا عِلَّةٌ بها، وما عِلَّتُها إلا ذُو ذَنْبٍ فيها، فَتعَالَوْا نَقْتَرِع، فَاقْترعُوا، فَوقَعت القُرعةُ على يُونُسَ - عليه السلام -، فَأخْرَجُوه منها، وأَقَامُوا فيها.
وهذا مِثلُ مَعنى القُرعَةِ في الذين اقترعوا على كَفالَة مَريمَ - عليها السلام -؛ لأن حالةَ الرُّكْبَان كانت مُسْتَوية، وإن لم يَكُن في هذا حُكْمٌ يُلْزِمُ أَحْدَهُم (١) في مَاله، شيئًا، لم يُلْزَمْه قَبل القُرْعَة، ويُزِيلُ عَن أَحدٍ شَيئًا، كان يَلْزَمُه.
فهو يُثْبِتُ عَلى بَعْضٍ الحَقَّ، وبَيَّن في بَعْضٍ أَنه بَريءٌ منه، كما كان في الذين اقترعوا على كَفالة مَريمَ - عليها السلام - غُرْمٌ، وسُقُوطُ غُرْمٍ.
قال: وقُرْعَةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في كُلِّ مَوْضِع أَقْرَع فيه- مِثلُ مَعنى الذين اقترعوا على كفالة مريم - عليها السلام -، سَواءً، لا يُخَالِفُه.
وذلك أَنه - عليه السلام - أَقْرَعَ بَيْن مَمَاليكَ أُعْتِقُوا مَعًا، فَجَعل العِتْقَ تَامًّا لِثُلُثِهم وأَسْقَط عن ثُلُثَيْهِم بِالْقُرْعَة؛ وذلك أَنَّ المُعْتِقَ -في مَرَضِه- أَعْتَقَ مَالَه ومَالَ غَيرِهِ، فَجَاز عِتْقُه في مَالِه، ولَم يَجُز في مَالِ غَيرِه، فَجَمَع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - العِتْقَ في ثَلاثَةٍ ولَم يُبَعِّضْهُ (٢)، كما يُجْمَعُ في القَسْم بَين أَهلِ المَوارِيث، ولا يُبَعَّضُ عليهم.
وكذلك: كان إِقْرَاعُهُ لِنِسَائِه: أَن يَقْسِم لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنهُن في الحَضَر، فَلَمَّا كان في السَّفَر كان مَنزلِةً يَضِيقُ فيها الخُروجُ بِكُلِّهِنَّ، فَأَقْرَع بَينَهُنَّ، فَأَيَّتُهنَّ
(١) في «د»، و «ط»: (يلزم من أحدهم).
(٢) يشير إلى الحديث الذي أخرجه مسلم (١٦٦٨) وغيره، من حديث عمران بن حُصَين، «أن رجلًا أعتق ستةَ مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجزأهم أثلاثًا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأَرَقَّ أربعةً، وقال له قولًا شديدًا».