فَدَلَّ حُكْمُ اللهِ - عز وجل - على أَنَّه أَبَاحَ التَّيَمُّمَ في حَالَيْن:
أحدهما: السَّفَر والإعواز من الماء.
والآخر: المريض في حَضَرٍ كان، أو سَفَرٍ، ودَلَّ عَلَى أَن عَلَى المُسَافِر طَلبَ المَاء؛ لِقُولِه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} وكان كُلُّ مَن خَرَج مُجْتَازًا مِن بَلَدٍ إلى غَيره، يَقَعُ عَليه اسْمُ السَّفَر، قَصُرَ السَّفَرُ أو طَال، ولَم أَعْلَم مِنَ السُّنَّة دَليلًا على أَنَّ لِبَعضِ المُسَافِرينَ أن يَتيَمَّم دُونَ بَعض، فَكَان ظَاهِرُ القُرآنِ: أَنَّ كُلَّ مَن سَافَر سَفَرًا قَريبًا، أو بَعِيدًا: يَتَيَمَّم» (١).
قال: «وإذا كان مَريضًا بَعْضَ المَرَض: تَيَمَّم حَاضِرًا أو مُسافِرًا، أو وَاجِدًا للماء، وغَيرَ وَاجِدٍ له.
والمَرَضُ: اسْمٌ جَامِعٌ لِمَعَانٍ، لأمْرَاضٍ مُخْتَلِفَة، فالذي سَمِعتُ: أَنَّ المَرَض-الذِي للمَرْء أن يَتَيمَّم فيه-: الجِرَاح.
والقُرْحُ -دُونَ الغَوْر- (٢) كُله مِثْلُ الجِرَاح؛ لأنَّه يُخَافُ في كُلِّه -إذَا مَاسَّهُ الماء- أَنْ يَنْطُف (٣) فَيكُون مِن النَّطْفِ: التَلَفُ، والمَرَضُ المَخُوفُ» (٤).
والصحيح ما أثبتناه.
وقال في القديم -رواية الزعفراني (٥) عنه-: «يَتيَمَّم إِنْ خَافَ التَّلَفَ، أو
(١) «الأم» (٢/ ٩٦).
(٢) قوله: (دون الغور) ليس في «م».
(٣) ينطف: يعني يقطر، وينظر «النهاية في غريب الحديث».
(٤) «الأم» (٢/ ٩٠).
(٥) هو: الإمام، العلامة، شيخ الفقهاء والمحدثين، أبو علي الحسن بن محمد بن الصَّبَّاح البَغدادي، الزعفراني. المتوفى سنة ٢٦٠ هـ. ينظر «سير أعلام النبلاء» (١٢/ ٢٦٢).