نجرا «١» واحدا، لبخسه بهاءه، وسلبه ماءه.
ومثل ذلك الشّهاب من القبس نبرزه للشّعاع، والكوكبان يقترنان، فينقص النّوران، والسّخاب «٢» ينظم بالياقوت والمرجان والعقيق والعقيان، ولا يجعل كلّه جنسا واحدا من الرفيع الثّمين، ولا النّفيس المصون.
وألفاظ العرب مبنية على ثمانية وعشرين حرفا، وهي أقصى طوق اللّسان.
وألفاظ جميع الأمم قاصرة عن ثمانية وعشرين ولست واجدا في شيء من كلامهم حرفا ليس في حرفنا إلا معدولا عن مخرجه شيئا، مثل الحرف المتوسط مخرجي القاف والكاف، والحرف المتوسط مخرجي الفاء والباء.
فهذه حال العرب في مباني ألفاظها.
ولها الإعراب الذي جعله الله وشيا لكلامها، وحلية لنظامها، وفارقا في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين، والمعنيين المختلفين كالفاعل والمفعول، لا يفرّق بينهما، إذا تساوت حالاهما في إمكان الفعل أن يكون لكلّ واحد منهما- إلا بالإعراب.
ولو أن قائلا قال: هذا قاتل أخي بالتنوين، وقال آخر: هذا قاتل أخي بالإضافة- لدّل التنوين على أنه لم يقتله، ودلّ حذف التنوين على أنه قد قتله.
ولو أن قارئا قرأ: فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦) يس:
٧٦ وترك طريق الابتداء بإنّا، وأعمل القول فيها بالنصب على مذهب من ينصب (أنّ) بالقول كما ينصبها بالظن- لقلب المعنى عن جهته، وأزاله عن طريقته، وجعل النبيّ، عليه السلام، محزونا لقولهم: إنّ الله يعلم ما يسرّون وما يعلنون. وهذا كفر ممن تعمّده، وضرب من اللحن لا تجوز الصلاة به، ولا يجوز للمأموين أن يتجوّزوا فيه.
وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لا يقتل قرشي صبرا بعد اليوم» «٣» .
فيمن رواه «حزما» أوجب ظاهر الكلام للقرشي ألا تقتل إن ارتد، ولا يقتصّ منه إن قتل.
(١) النجر: اللون.
(٢) السخاب، بالخاء المعجمة: كل قلادة كانت ذات جواهر، أو لم تكن.
(٣) أخرجه مسلم في الجهاد حديث ٨٨، وأحمد في المسند ٣/ ٤١٢، ٤/ ٢١٣، والدارمي ٢/ ١٩٨، والبيهقي في دلائل النبوة ٥/ ٧٩، والحميدي في مسنده ٥٦٨، وابن أبي عاصم في السنة ٢/ ٦٣٨، وابن أبي شيبة في مصنفه ١٢/ ١٧٣، ١٤/ ٤٩٠، والتبريزي في مشكاة المصابيح ٥٩٩٣، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٣٨٠٤، ٣٣٨٨٥، ٣٧٩٨٥. .....