ومنه قول إبراهيم صلّى الله عليه وسلم: إِنِّي سَقِيمٌ الصافات: ٨٩ أي سأسقم، لأن من كتب عليه الموت، فلا بد من أن يسقم.
ومنه قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) الزمر: ٣٠ أي: ستموت ويموتون.
فأوهمهم إبراهيم بمعاريض الكلام أنه سقيم عليل، ولم يكن عليلا سقيما، ولا كاذبا.
وكذلك ما روي في الحديث من قوله حين خاف على نفسه وامرأته: (إنها أختي) لأن بني آدم يرجعون إلى أبوين، فهم إخوة، ولأن المؤمنين إخوة، قال الله عز وجل:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ الحجرات: ١٠ .
وكذلك قوله: قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) الأنبياء: ٦٣ . أراد: بل فعله الكبير، إن كانوا ينطقون فسلوهم، فجعل النطق شرطا للفعل، أي إن كانوا ينطقون فقد فعله، وهو لا يعقل ولا ينطق.
وقد روي عن النبي، صلّى الله عليه وسلم: (إنّ إبراهيم كذب ثلاث كذبات ما منها واحدة إلا وهو يماحل بها عن الإسلام) «١» .
فسمّاها كذبات، لأنها شاكهت «٢» الكذب وضارعته.
ولذلك قال بعض أهل السلف لابنه: (يا بني لا تكذبن ولا تشبّهن بالكذب) .
فنهاه عن المعاريض، لئلا يجري على اعتيادها، فيتجاوزها إلى الكذب، وأحبّ أن يكون حاجزا من الحلال بينه وبين الحرام.
ومن هذا الباب قول الله عز وجل: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ سبأ: ٢٤ . والمعنى: إنّا لضالّون أو مهتدون، وإنكم أيضا لضالون، أو
الكذب» أي سعة وفسحة، يقال: ندحت الشيء، إذا وسعته، وإنك لفي ندح ومندوحة من كذا: أي سعة، يعني أن في التعريض بالقول من الاتساع ما يغني الرجل عن تعمد الكذب. وانظر أيضا البخاري في الأدب باب ١١٦ (باب المعاريض المندوحة عن الكذب) .
(١)
رواه ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث ٤/ ٣٠٣، بلفظ: في حديث الشفاعة: إن إبراهيم يقول: لست هناكم، أنا الذي كذبت ثلاث كذبات، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والله ما كذب إلا وهو يماحل بها عن الإسلام»
أي يدافع ويجادل، من المحال، بالكسر، وهو الكيد، وقيل: المكر، وقيل: القوة والشدة. وميمه أصلية، ورجل محل: أي ذو كيد.
(٢) شاكهت: يقال: شاكه الشيء مشاكهة وشكاها: شابهه وشاكله ووافقه وقاربه.