في سورة الجن
قال أبو محمد:
في هذه السورة إشكال وغموض: بما وقع فيها من تكرار (إنّ) واختلاف القرّاء في نصبها وكسرها، واشتباه ما فيها من قول الله تعالى وقول الجن، فاحتجنا إلى تأويل السورة كلّها.
قال تعالى لنبيه: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ وكانوا استمعوا لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم، وهو يقرأ: فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً الجن: ١ يعني أنهم قالوا ذلك لقومهم حين رجعوا إليهم. واعتبار هذا قوله: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ثم قال: فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ الأحقاف: ٢٩ .
ثم قال: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (٣) الجن: ٣ يقال: جدّ فلان في قومه: إذا عظم عندهم.
ثم قال: وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (٤) الجن: ٤ أي: جاهلنا يقول شططا، أي: غلوا في الكذب والجور.
ثم قال: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (٥) الجن: ٥ .
يقولون: كنا نتوهم أنّ أحدا لا يقول على الله باطلا. يريدون: إنّا كنا قبل اليوم نصدّقهم ونحن نظن أن أحدا لا يكذب على الله. وانقطع هاهنا قول الجن.
و (إن) في جميع هذا مكسورة إلا (أنّه استمع) .
وقال الله تعالى: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ الجن: ٦ فإن شئت أن تنصب وَأَنَّهُ وتردها إلى قوله: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ، وأنه أوحى إليّ أنه كان رجال- نصبت. وإن شئت أن تكسرها وتجعلها مبتدأة من الله سبحانه، فعلت.
وكان الرجل في الجاهلية إذا سافر فصار إلى موضع مقفر موحش لا أنيس به، قال: أعوذ بسيّد هذا المكان من سفهائه. يعني سفهاء الجن ويعني بالسيد: رئيسهم.
يقول الله عز وجل: فَزادُوهُمْ رَهَقاً الجن: ٦ يريد أنهم يزدادون بهذا التعوّذ طغيانا وإثما فيقولون: سدنا الجن والإنس.
ثم قال تعالى: وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً (٧) الجن: ٧ يقول:
ظن الجن كما ظننتم أيها الإنس أن لا بعث يوم القيامة. أي كانوا لا يؤمنون بالبعث كما أنكم لا تؤمنون به.