وقال: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً الفرقان: ٤٧ : أي سترا وحجابا لأبصاركم.
قال ذو الرّمة «١» :
ودوّيّة مثل السّماء اعتسفتها ... وقد صبغ اللّيل الحصى بسواد
أي لمّا ألبسه الليل سواده وظلمته، كان كأنّه صبغه.
وقد يكنون باللباس والثوب عما ستر ووقى، لأنّ اللباس والثوب واقيان ساتران.
وقال الشاعر «٢» :
كثوب ابن بيض وقاهم به ... فسدّ على السّالكين السّبيلا
قال الأصمعي: (ابن بيض) رجل نحر بعيرا له على ثنيّة فسدّها فلم يقدر أحد أن يجوز، فضرب به المثل فقيل: سدّ ابن بيض الطريق «٣» .
وقال غير الأصمعي: (ابن بيض) رجل كانت عليه إتاوة فهرب بها فاتّبعه مطالبه، فلما خشي لحاقه وضع ما يطالبه به على الطريق ومضى، فلما أخذ الإتاوة رجع وقال:
«سدّ ابن بيض الطريق» أي منعنا من اتباعه حين وفى بما عليه، فكأنه سدّ الطريق «٤» .
فكنى الشاعر عن البعير- إن كان التفسير على ما ذكر الأصمعي.
أو عن الإتاوة- إن كان التفسير ما ذكر غيره- بالثوب، لأنهما وقيا كما يقي الثوب.
وكان بعض المفسرين يقول في قوله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً الفرقان: ٤٧ أي سكنا، وفي قوله تعالى: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ البقرة: ١٨٧ أي سكن لكم.
وإنما اعتبر ذلك من قوله: جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ يونس: ٦٧ ومن قوله:
(١) البيت من الطويل، وهو في ديوان ذي الرمة ص ٦٨٥، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٨٢، وهو بلا نسبة في شرح شذور الذهب ص ٤١٥.
(٢) البيت من المتقارب، وهو لبشامة بن عمرو في تاج العروس (بيض) ، وشرح اختيارات المفضل ص ٢٩٣، والمفضليات ص ٦٠، وطبقات الشعراء ص ٥٦٥، والأغاني ١٢/ ٤٣، ولبسامة بن حزن (وهذا تحريف) في لسان العرب (بيض) ، وبلا نسبة في تاج العروس (ثوب) .
(٣) انظر المثل في لسان العرب (بيض) ، وجمهرة الأمثال ص ١١٨، ومجمع الأمثال ١/ ٣٤١، وأمثال العرب للمفضل الضبي ص ٧١- ٧٢.
(٤) انظر لسان العرب (بيض) ، ومجمع الأمثال ١/ ٣٢٨.