من أمرهما، وتضق به صدرا، ولا تغلظ لهما.
والناس يقولون لما يكرهون ويستثقلون: أفّ له. وأصل هذا نفخك للشيء يسقط عليك من تراب أو رماد وغير ذلك، وللمكان تريد إماطة الشيء عنه لتقعد فيه. فقيل لكل مستثقل: أفّ لك، ولذلك تحرّك بالكسر للحكاية، كما يقولون: غاق غاق، إذا حكوا صوت الغراب.
والوجه أن يسكّن هذا، إلا أنه يحرّك لاجتماع الساكنين، فربما نوّن، وربما لم ينوّن، وربما حرّك إلى غير الكسر أيضا.
ومنه قوله تعالى: كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ المائدة: ٦٤ يريد كلما هاجوا شرّا وأجمعوا أمرا ليحاربوا النبي صلّى الله عليه وسلّم- سكّنه الله ووهّن أمرهم.
ومنه قوله سبحانه: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ الأعراف:
١٥٧ . الإصر: الثّقل الذي ألزمه الله بني إسرائيل في فرائضهم وأحكامهم، ووضعه عن المسلمين. ولذلك قيل للعهد: إصر.
قال تعالى: وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي آل عمران: ٨١ أي عهدي، لأن العهد ثقل ومنع من الأمر الذي أخذ له.
وَالْأَغْلالَ: تحريم الله عليهم كثيرا مما أطلقه لأمّة محمد، صلّى الله عليه وسلم، وجعله أغلالا لأن التحريم يمنع كما يقبض الغلّ اليد، فاستعير.
قال أبو ذؤيب «١» :
فليس كعهد الدّار يا أمّ مالك ... ولكن أحاطت بالرّقاب السّلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل ... سوى العدل شيئا فاستراح العواذل
يقول: ليس الأمر كعهدك إذ كنا في الدّار ونحن نتبسّط في كل شيء ولا نتوقّى، ولكن أسلمنا فصرنا من موانع الإسلام في مثل الأغلال المحيطة بالرّقاب القابضة للأيدي.
ومن هذا قوله: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا يس: ٨ ، أي قبضنا أيديهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانع كالأغلال.
(١) البيتان من الطويل، وهما لأبي خراش الهذلي في ديوان الهذليين القسم الثاني ص ١٥٠، وشرح أشعار الهذليين ص ١٢٢٣، ولسان العرب (عهد) ، والتنبيه والإيضاح ٢/ ٤٣، والأغاني ٢١/ ٥٨.