(أفضل مَا أكل الرجل من كَسبه)
وَقد ذكرنَا مَا كَانَ عَلَيْهِ أكَابِر أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي هَذَا آيَات كَثِيرَة من كتاب الله وأخبار عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متواترة وَفِي أقل مِمَّا ذكر يتَبَيَّن خطأ هَذِه الْمقَالة
وَأما الْمقَالة الثَّانِيَة فَإِن الْحجَّة عَلَيْهِم فِي ذَلِك أَخذهم الَّذِي تَرَكُوهُ من أَيدي غَيرهم فَإِن كَانَ أَخذهم لذَلِك من أَيدي الأقوياء الَّذين كسبوا الشَّيْء عِنْدهم على حكم كتاب الله عز وَجل وَسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد سقط عَنْهُم الْعذر فِي الْقعُود وَعَلَيْهِم طلب الشَّيْء من حَيْثُ طلبه هَؤُلَاءِ
وَإِن كَانَ الْأَمر عِنْدهم لضعف عَن الْقيام بأحكامه غَيرهم فقد أخذُوا مَا تركُوا من أَيدي أَقوام يُمكن عَلَيْهِم التَّعَدِّي فِي الطّلب والتجاوز للحد من الْكسْب
فَأَي الْحَالَتَيْنِ كَانَت حَالهم فَهُوَ خطأ وَالله أعلم
وَجلسَ قوم آخَرُونَ وَزَعَمُوا أَن الْجُلُوس عَن الطّلب أفضل عِنْدهم من الْحَرَكَة
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن قَالُوا لما ضمن الله لِلْخلقِ أَرْزَاقهم وَتَوَلَّى فِي ذَلِك كفايتهم وَأخْبر بقسم الشَّيْء فِي الْأَوْقَات الَّتِي قدر إيصالها إِلَيْهِم فِيهَا كَانَ انْتِظَار الْوَقْت وَترك الْحَرَكَة أفضل وَكَانَت الْحَرَكَة إِبَاحَة لِضُعَفَاء الْخلق
وَالْحجّة عَلَيْهِم فِي ذَلِك بَيِّنَة بِمَا بَينا من فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا كَانَ أكَابِر الصَّحَابَة عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَن الله جلّ ثَنَاؤُهُ جعل رَسُوله فِي أَعلَى الدَّرَجَات وَأَرْفَع الْمنَازل وَأتم المعارف وأكمل الْعلم وَخَصه من جزيل خصوصيته ورفيع هباته وسني عطاياه مَا بَين بِهِ فَضله على