و أزرى الخطيبُ نفسهُ باحتجاجِهِ بهذَا؛ فقالَ: أَنا ابنُ رزقويه، نَا أحمدُ بنُ كَامِل، نَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن غالبٍ، نَا دِينَار، عَن أنسٍ: " مَا زالَ رسُولُ اللهِ يقنتُ فِي صلاةِ الصبحِ حتَّى ماتَ ".
فابنُ غالبٍ كذابٌ، وشيخُهُ عدمٌ.
قلتُ: أصلحُ مَا فِي ذلكَ حَدِيث أبي جعفرٍ، والحديثُ محمولٌ علَى أنَّهُ مَا زَالَ يطولُ صلاةَ الفجرِ؛ فإنَّ القنوتَ لفظٌ مشتركٌ بينَ القنوتِ العرفيِّ والقنوتِ اللغويِّ، قالَ اللهُ تعالَى: {أم من هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا} فالمرادُ هُنا بالقنُوتِ العبادةُ بِلا ريبٍ.
ومثلهُ: {يَا مَرْيَم اقنتي لِرَبِّك واسجدي واركعي مَعَ الراكعين} .
وَفِي الحديثِ " أنَّ رجلا قالَ: يَا رسُولَ اللهِ، أيُّ الصلاةِ أفضلُ؟ قالَ: طولُ القنوتِ ".
وَفِي لفظٍ: " طولُ القيامِ ".
فالمرادُ بِهَذَا القنوتِ العبادةُ؛ قالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمن يقنت مِنْكُن لله وَرَسُوله وتعمل صَالحا نؤتها أجرهَا مرَّتَيْنِ} .
وَلخَبَر أبي جَعْفَر الرَّازِيّ طرقٌ عدةٌ فِي كتاب " الْقُنُوت " لِلْحَافِظِ أبي مُوسَى المدينيِّ.
قَالَ الْمحَامِلِي: نَا أَحْمد بن مَنْصُور وَأحمد بن عِيسَى قَالَا: ثَنَا أَبُو نعيم، ثَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: " كنتُ جَالِسا عندَ أنسٍ، فقيلَ لهُ: إنَّما قنتَ رسولُ اللهِ شهرا. فقالَ: مَا زالَ يقنت فِي صلاةِ الغداةِ حَتَّى فارقَ الدُّنْيَا ".