عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ، وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ١ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": وَعَنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ أَجْوِبَةٌ، أَصَحُّهَا أَنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ، قَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: لَمْ يَرْوِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا مُحْرِمًا غَيْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحْدَهُ، وَرَوَتْ مَيْمُونَةُ، وَأَبُو رَافِعٍ، وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَهُمْ أَعْرَفُ بِالْقَضِيَّةِ لِتَعَلُّقِهِمْ بِهِ، وَهُمْ أَضْبَطُ وَأَكْثَرُ، الثَّانِي: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ، وَيُقَالُ لِمَنْ هُوَ فِي الحرام: مُحْرِمٌ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا، قَالَ الشَّاعِرُ:
قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا ... وَدَعَا فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ مَخْذُولًا
أَيْ فِي الْحَرَمِ، انْتَهَى. قُلْت: وَجَدْت فِي "صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ" مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَأَنْشَدَ الْبَيْتَ الْمَذْكُورَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: أَنَّهُ عليه السلام تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، يَدْفَعُ هَذَا التَّفْسِيرَ، أَوْ يُبْعِدُهُ، وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَيْ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، ثُمَّ أَنْشَدَ الْبَيْتَ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ أَنَّهُ رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ إسْحَاقَ الْمَوْصِلِيِّ، قَالَ: سَأَلَ هَارُونُ الرَّشِيدُ الْأَصْمَعِيَّ بِحَضْرَةِ الْكِسَائِيّ، عَنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ: قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَلَا أَنَّهُ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، وَلَا أَنَّهُ في الحرام، فَقَالَ الْكِسَائِيُّ: وَيْحَك، فَمَا مَعْنَاهُ؟ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: فَمَا أَرَادَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ بِقَوْلِهِ:
قَتَلُوا كِسْرَى بِلَيْلٍ مُحْرِمًا ... فَتَوَلَّى لَمْ يُمَتَّعْ بِكَفَنِ
أَيُّ إحْرَامٍ لِكِسْرَى؟ فَقَالَ الرَّشِيدُ: فَمَا الْمَعْنَى؟ قَالَ: كُلُّ مَنْ لَمْ يَأْتِ شَيْئًا يُوجِبُ عَلَيْهِ عُقُوبَةً فَهُوَ مُحْرِمٌ، لَا يَحِلُّ مِنْهُ شَيْءٌ، فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: أَنْتَ لَا تُطَاقُ، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالثَّالِثُ مِنْ الْأَجْوِبَةِ عَنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ: أَنَّ الصَّحِيحَ عند الْأُصُولِيِّينَ تَقْدِيمُ الْقَوْلِ إذَا عَارَضَهُ الْفِعْلُ، لِأَنَّ الْقَوْلَ يَتَعَدَّى إلَى الْغَيْرِ، وَالْفِعْلَ قَدْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ "النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ": وَالْأَخْذُ بِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ أَوْلَى، لِأَنَّهُ كَانَ السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ مُبَاشِرًا لِلْحَالِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ حَاكِيًا، وَمُبَاشِرُ الْحَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَاكِيهِ، أَلَا تَرَى عَائِشَةَ كَيْفَ أَحَالَتْ عَلَى عَلِيٍّ حين سئلت عَنْ مَسْحِ الْخُفِّ، وَقَالَتْ: سَلُوا عَلِيًّا، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ عليه السلام "لا ينكح الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ"، قُلْت: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ
١ قلت: والرجل الذي كان مع أبي رافع اسمه: أوس بن خوتي، كما في "طبقات ابن سعد" ص ٩٤ - ج ٨.