قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُمَرُ - وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ - فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ صَبِيغٌ، فَأَخَذَ عُمَرُ عُرْجُونًا مِنْ تِلْكَ الْعَرَاجِينِ، فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ، وَجَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُهُ حَتَّى دَمِيَ رَأْسُهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَسْبُك، قَدْ ذَهَبَ الَّذِي كُنْت أَجِدُ فِي رَأْسِي، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: قَالَ عَلِيٌّ: يُضْرَبُ الرِّجَالُ فِي الْحُدُودِ قِيَامًا، وَالنِّسَاءُ قُعُودًا، قُلْت: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: يُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا، وَالْمَرْأَةُ قَاعِدَةً فِي الْحَدِّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ إلَى ثُنْدُوَتِهَا، قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" ١ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ سُلَيْمٍ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْت شَيْخًا يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ أبي بكرة عن أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ امْرَأَةً، فَحَفَرَ لَهَا إلَى الثَّنْدُوَةِ، انْتَهَى. وَفِيهِ مَجْهُولٌ، وَحَدِيثُهَا فِي "مُسْلِمٍ" مِنْ رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ، وَفِيهِ: ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ "الْهِدَايَةِ" حَفَرَ لَهَا إلَى ثَدْيِهَا، وَالثَّدْيُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَابْنُ فَارِسٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرَّاءُ، وَثَعْلَبٌ غَيْرَ التَّذْكِيرِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الثَّدْيُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ، وَيُقَالُ: لِلرَّجُلِ ثُنْدُوَةٌ - بِفَتْحِ الثَّاءِ - بِلَا هَمْزَةٍ، - وَبِضَمِّهَا مَعَ الْهَمْزَةِ - وَهَذَا مُشْعِرٌ بِتَخْصِيصِ الثَّنْدُوَةِ بِالرَّجُلِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّ رَجُلًا وَضَعَ ذُبَابَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي "الْحَجِّ" فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْ، وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ذَكَرَ اسْتِعْمَالَ الثَّنْدُوَةِ فِي الْمَرْأَةِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد اسْتِعْمَالُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا حَفَرَ لِشُرَاحَةَ، قُلْت: تَقَدَّمَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ شُرَاحَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ، وفيه: وحفر لها، وزاد أَحْمَدُ: إلَى السُّرَّةِ.
قَوْلُهُ: وَإِنْ تَرَكَ الْحَفْرَ لَا يَضُرُّهُ، لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ، قُلْت: هَذَا ذُهُولٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ، وَتَنَاقُضٌ، فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ عليه السلام حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ، وَهُوَ فِي "مُسْلِمٍ".
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام مَا حَفَرَ لِمَاعِزٍ، قُلْت: رَوَاهُ مُسْلِمٌ ٢ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ خَرَجْنَا بِهِ إلَى الْبَقِيعِ، فَوَاَللَّهِ
١ عند أبي داود في "الحدود - باب في المرأة التي أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجمها من جهينة" ص ٢٥٣ - ج ٢.
٢ عند مسلم في "الرجم" ص ٦٧ - ج ٢، وحديث بريرة، عنده فيه: ص ٦٨ - ج ٢.