لَوْلَا أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنْ الْمَوْتِ لَزِدْت، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ هُوَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، ثُمَّ قَالَ:
وَلَسْت أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
ثُمَّ قَامَ إلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلَى عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ لِيَأْتُوا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنْ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَقِصَّةُ خُبَيْبِ كَانَتْ فِي غَزْوَةِ الرَّجِيعِ، وَغَزْوَةُ الرَّجِيعِ كَانَتْ بَعْدَ أُحُدٍ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد١ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ، لَكِنْ وَرَدَ أَنَّهُ أُكْرِهَ، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي، فَقَالَ بَعْد أَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ مُطَوَّلًا: وَحَدَّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ زُمَامَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ معاوية الديلمي، قَالَ: لَمَّا صَلَّى خُبَيْبِ الرَّكْعَتَيْنِ حَمَلُوهُ إلَى خَشَبَةٍ، فَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا، ثُمَّ قَالُوا لَهُ: ارْجِعْ عَنْ الْإِسْلَامِ , قَالَ: لَا وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ , وَلَوْ أَنَّ لِي مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا. قَالَ: فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ الْإِسْلَامِ , وَهُوَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَرْجِعُ أَبَدًا، فَقَالُوا لَهُ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَنَقْتُلَنَّكَ، قَالَ: إنَّ قَتْلِي فِي اللَّهِ لَقَلِيلٌ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي لَا أَرَى هُنَا إلَّا وَجْهَ عدو، وليس ههنا أَحَدٌ يُبْلِغُ رَسُولَك عَنِّي السَّلَامَ، فَبَلِّغْهُ أَنْتَ عَنِّي السَّلَامَ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ، إذْ قَالَ: "وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ"، فَقِيلَ لَهُ فِي ذلك، فقال: "هذا جبرئيل يُقْرِئُنِي السَّلَامَ مِنْ خُبَيْبِ"، قَالَ: ثُمَّ دَعَوْا مِنْ أَبْنَاءِ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ أَرْبَعِينَ غُلَامًا، فَقَالُوا لَهُمْ، هَذَا الَّذِي قَتَلَ أَبَاكُمْ، فَطَعَنُوهُ بِرِمَاحِهِمْ حَتَّى قَتَلُوهُ، قَالَ: وَكَانَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ يَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا أَنَا بِاَلَّذِي قَتَلْت خُبَيْبًا، إنْ كُنْت يَوْمَئِذٍ لَغُلَامًا صَغِيرًا، وَلَكِنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو مَيْسَرَةَ أَمْسَكَ بِيَدِي عَلَى الْحَرْبَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَطْعَنُهُ حَتَّى قَتَلَهُ، انْتَهَى. وَالْمَعْرُوفُ فِي قَوْلِهِ عليه السلام: "سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ" أَنَّهُ فِي حَمْزَةَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ٢ فِي الْفَضَائِلِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ.
فَحَدِيثُ جَابِرٍ: أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ٣: أَحَدُهُمَا عَنْ حُمَيْدٍ الصَّفَّارِ عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ
١ عند أبي داود في الجهاد باب في الرجل يستأثر ص ٤ ج ٢.
٢ في المستدرك في مناقب حمزة ص ١٩٢ ج ٣
٣ قلت: وفي المستدرك ص ١٩٥ ج ٣ عن حفيد الصفار، بدل: حميد الصغار، والطريق لهذا الحديث في المستدرك ص ١٩٩ ج ٣.