يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَبَوْا عَرَضَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، بِأَنْ لَا تُنْكَحَ نساءهم، وَلَا تُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَالْوَاقِدِيُّ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ.
قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا، فَمَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلِيٍّ أَنَّهُ يَحِلُّ، قُلْت: ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ أَنَّ قَصَّابًا ذَبَحَ شَاةً، وَنَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا، فَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ غُلَامًا لَهُ أَنْ يَقُومَ عِنْدَهُ، فَإِذَا جَاءَ إنْسَانٌ يَشْتَرِي، يَقُولُ لَهُ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لَكَ: إنَّ هَذِهِ شَاةٌ، لَمْ تُذَكَّ، فَلَا تَشْتَرِ مِنْهَا شَيْئًا، وَذُكِرَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَطَاوُسٍ، وَقَالُوا: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا نُسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَقَالُوا: إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمِلَّةِ، انْتَهَى. وَفِي الْمُوَطَّإِ١ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ الَّذِي يَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَبِيحَتِهِ، فَقَالَ: يُسَمِّي اللَّهَ وَيَأْكُلُ، وَلَا بَأْسَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: " الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ"،
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ٢ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُسْلِمُ يَكْفِيهِ اسْمُهُ، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ حِينَ يَذْبَحُ فَلْيُسَمِّ، وَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، ثُمَّ لْيَأْكُلْ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: لَيْسَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِيهِ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، وَكَانَ صَدُوقًا صَالِحًا، لَكِنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الْغَفْلَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ لَكِنَّهُ أَخْطَأَ فِي رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ٣ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ٤ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُ، فَزَادَا فِي إسْنَادِهِ أَبَا الشَّعْثَاءِ، وَوَقَفَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: مَعْقِلٌ هَذَا مَجْهُولٌ، وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، فَقَالَ: بَلْ هُوَ مَشْهُورٌ، وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيُّ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ فِيهِ، فَمَرَّةً وَثَّقَهُ،
١ قلت: لم أجد هذه الرواية في نسخة يحيى، والله أعلم.
٢ عند الدارقطني في الصيد والذبائح ص ٥٤٩ ج ٢.
٣ وعند الدارقطني في الصيد ص ٥٤٩ ج ٢ عن محمد بن بكر بن خالد عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن عين عكرمة عن ابن عباس، قال: إذا ذبح المسلم، فلم يذكر اسم الله، فليأكل، فإن المسلم فيه اسماً من أسماء الله، انتهى.
٤ قلت: الصواب عن سفيان بن عيينة عن عمرو ابن دينار عن عمرو بن أبي الشعثاء كما هو الظاهر من السياق، والسباق، والله أعلم.