بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ
قَوْلُهُ: فِي الْقِصَاصِ فِي الْعَيْنِ الْمَقْلُوعَةِ وَأَنَّهُ مَأْثُورٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَصِفَتُهُ أَنْ تُحْمَى الْمِرْآةُ، وَتُقَابَلَ بِهَا عَيْنُهُ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْءُهَا، بَعْدَ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى وَجْهِهِ، قُطْنٌ رَطْبٌ، قُلْت: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ الْعُقُولِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ: لَطَمَ رَجُلٌ رَجُلًا، فَذَهَبَ بَصَرُهُ، وَعَيْنُهُ قَائِمَةٌ، فَأَرَادُوا أَنْ يُقِيدُوهُ مِنْهُ، فَأَعْيَا عَلَيْهِمْ، وَعَلَى النَّاسِ، كَيْفَ يُقِيدُونَهُ، وَجَعَلُوا لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يَصْنَعُونَ، فَأَتَاهُمْ عَلِيٌّ، فَأَمَرَ بِهِ، فَجُعِلَ عَلَى وَجْهِهِ كُرْسُفٌ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ الشَّمْسَ، وَأَدْنَى مِنْ عَيْنِهِ مِرْآةً، فَالْتَمَعَ بَصَرُهُ، وَعَيْنُهُ قَائِمَةٌ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَا: لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ، قُلْت: غَرِيبٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، قَالَا: لَيْسَ فِي الْعِظَامِ قِصَاصٌ، مَا خَلَا السِّنَّ وَالرَّأْسَ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ"، قُلْت: غَرِيبٌ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عمر، قال: إنا لانقيد مِنْ الْعِظَامِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعِظَامِ قِصَاصٌ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، الْحَدِيثَ". قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وأنها لم تَحِلُّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا أَنْ يُعْطَى الدِّيَةَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ"، انْتَهَى. هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ١ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي بَابِ تَحْرِيمِ مَكَّةَ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ٢ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ: إمَّا أَنْ يُعْقَلَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ، وَلَفْظُهُ فِي اللُّقَطَةِ إمَّا أَنْ يُفْدَى، وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ، وَلَفْظُهُ فِي الدِّيَاتِ:
١ عند مسلم في الحج في باب تحريم مكة ص ٤٣٨ ج ١، وفي رواية عند مسلم: إما أن يفدى، وإما أن يقتل.
٢ عند البخاري في العلم في باب كتابة العلم ص ٢٢ ج ١، وفي اللقطة في باب كيف تعرف لقطة أهل مكة ص ٣٢٨ ج ١، وفي الديات في باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين ص ١٠١٦ ج ٢.