قَالَ: فَقِيلَ: فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْمُثْبِتُ عَلَى النَّافِي، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَهَرَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ قَدْ جَاءَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَلَمْ يُحْفَظْ أَنَّهُ عليه السلام جَمَعَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي "الْمُنْتَقَى": يُحْمَلُ حَدِيثُ الْإِخْفَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدِهِ، لِمَا وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ مَبْسُوطَةٍ: أَتَيْنَا، وَالْمَسْجِدُ قَدْ امْتَلَأَ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي الْإِخْفَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْعُلَمَاءُ كُلُّهُمْ يَحْمِلُوهُ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ قَدْ يَنْسَى الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ الْمَقْرُوءَ بِعَيْنَيْهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ ذَاكِرٌ لِقَدْرِهِ، فَيَقُولُ: قَرَأَ فُلَانٌ نَحْوَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَهُوَ قَدْ سَمِعَ مَا قَرَأَ، ثُمَّ نَسِيَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ: فَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الْأَرْبَعَةِ١ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: بَيْنَمَا أَنَا، وَغُلَامٌ مِنْ الْأَنْصَارِ نَرْمِي غَرَضَيْنِ لَنَا، حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي "أَوَّلِ الْبَابِ"، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد، وَاخْتَصَرَهُ الْبَاقُونَ، وَلَفْظُهُمْ: قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفٍ، لَا يسمع له صوتاً، انْتَهَى. وَلَفْظُ النَّسَائِيّ: فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ " فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ , مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ مُطَوَّلًا. بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد , وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" مُطَوَّلًا. وَمُخْتَصَرًا، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَانَ سَمُرَةُ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ صَوْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ إبْطَالُ هَذَا.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عليه الصلاة والسلام: " إذَا رَأَيْتُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَفْزَاعِ شَيْئًا، فَارْغَبُوا إلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ"،
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ"٢ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا، فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا، وَأَخْرَجَا أَيْضًا٣ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ، وَأَخْرَجَا أَيْضًا٤ عَنْ عَائِشَةَ: "وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَكَبِّرُوا. وَادْعُوا. وَصَلُّوا".
(٤) أبو داود في "باب من قال: أربع ركعات" ص ١٧٥، والنسائي: ص ٢١٩، والترمذي في "باب كيف القراءة في الكسوف" ص ٧٣٠، وابن ماجه في "باب ما جاء في صلاة الكسوف" ص ٩١، والحاكم: ص ٣٣٤ ج ٧، مختصراً، وص ٣٣٠، مطولاً، والطحاوي: ص ١٩٧.
٢ البخاري: ص ١٤٥، ومسلم: ص ٣٠٠.
٣ البخاري في "باب الذكر في الكسوف" ص ١٤٥، ومسلم: ص ٢٩٩.
٤ البخاري في "باب الصدقة في الكسوف" ص ١٤٢، ومسلم: ص ١٩٦.