وتقدَّمَ قولُهُ عليهِ السلامُ: " فاقْبَلوا صَدَقتَهُ " (٨)، وفي ذلك أنّ القصْر أفضلُ من الإتمامِ في السفر الطويلِ، فأمّا جوازُ الإتْمامِ.
فعن عائشةَ: " أنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كانَ يَقْصرُ في السفَرِ، ويُتمُّ، ويُفطرُ، ويَصومُ " (٩)، رواهُ الشافعيُّ عن ابنِ أبي يحيى عن طَلْحةَ بنِ عَمْرو الحَضْرَمي، وكلاهُما ضعيفٌ عن عطاءٍ عنها، رواهُ الدارَقُطنيُّ، والبَيْهقيُّ، وقالا: إسْنادٌ صحيحٌ.
وعنها: " أنّها اعتَمرَتْ معَ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ من المدينةِ إلى مكّةَ، حتى إذا قَدِمَتْ مكّةَ قالَتْ: يا رسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بأبي أنتَ وأُمّي، قصَرْتَ وأتمَمْتُ، وأفطرتَ وصُمْتُ. قالَ: أحسنتِ يا عائشةُ، وما عابَ عليَّ (١٠)، رواهُ النسائيُّ من حديثِ عبد الرحمن بنِ الأسودِ عنها، قالَ البيهقيُّ: إسنادٌ صحيحٌ موصولٌ، وكانَ عبدُالرحمن بنُ الأسودِ سمعَ من عائشةَ.
ورواهُ الدارَقُطنيُّ من حديثِ عبدِ الرحمنِ بنِ الأسودِ عن أبيهِ عن عائشةَ، ولَفْظُهُ: " قالتْ: خرجتُ معَ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ في عُمْرةٍ في رمضانَ، فأفطرَ وصمتُ، وقَصَرَ وأتْمَمْتُ. . فذكرَهُ " (١١)، وقولُهُ: " في رَمضانَ " غريبٌ جدّاً، لأنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لمْ يَعْتمرْ قَطُّ في رمضانَ، وإنّما كانتْ عُمَرُهُ كلُّها في ذي القَعْدَةِ كما في " الصحيحينِ ".
عن العَلاءِ بنِ الحَضْرَمِيِّ: أنَّ رسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قالَ: " يَمكُثُ المهاجرُ بعدَ قضاءِ نُسكِهِ ثَلاثاً " (١٢)، أخرجاهُ.
وقد عُلِمَ أنهُ كانَ يَكره (١٣) الإقامةَ في البلدِ الذي هاجرَ منهُ إلى اللهِ تَعالى، ولهذا
(٨) تقدم تخريجه برقم (١).
(٩) الدارقطني (٢/ ١٨٩)، والبيهقي (٣/ ١٤١ و ١٤٢).
(١٠) النسائي (٣/ ١٢٢)، والبيهقي (٣/ ١٤٢) وصححه.
(١١) الدارقطني (٤/ ١٨٨)، وأخرجه البيهقي (٣/ ١٤٢) من طريقه في الكبرى، وذكر تحسينه له وجعله موصولاً على الوجهين، لكن شيخه أبا بكر النيسابوري جعل من قال: " عن أبيه " خطأ، والله أعلم.
(١٢) البخاري (١٧/ ٦٥)، ومسلم (٤/ ١٠٩).
(١٣) قوله: " البائس سعد بن خولة " أخرجه البخاري في حديث أطول (٢/ ١٠٣) من حديث =