السلامُ نَهى عن بيعِ الغَرَرِ.
قلتُ: هذا أحدُ القولينِ عنهُ رحمهُ اللهُ، وقدْ يُستدَلُّ عليهِ بهذا الحديثِ، ولمْ أقفْ على سَنَدهِ، ولكنْ فيما رواهُ مسلمٌ عن ابنِ عمرَ:
" أنهُ عليهِ السلامُ نَهى عن بَيع السُّنْبلِ حتّى يَبْيضَّ " (٦)، ما يدلُّ على هذا، ولكنْ صحَّح الأصحابُ القولَ الآخرَ: أنهُ لا يصحُّ، لأنهُ غَررٌ، وقدْ نُهيَ عنهُ.
عن أنسٍ: " أنَّ رسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهى عن بيعِ الثمارِ حتّى تَزْهو، فَسُئِلَ: وما تَزْهو؟ قالَ: تَحمرُّ، قالَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أرأيتَ إذا منعَ اللهُ الثمرَة، بمَ يأخذُ أحدُكُمْ مالَ أخيهِ " (٧)، رواهُ البخاريُّ، وهذا لَفْظُهُ، ومسلمٌ.
قالَ أبو مسعودٍ الدِّمَشْقيُّ في الأطرافِ: جعَل مالكٌ، والدَّراوَرْديُّ قولَ أنسٍ: " أرأيتَ إذا منعَ اللهُ الثمرةَ، بمَ يَستحلُّ أحدُكُمْ مالَ أخيه؟ " من كلامِ رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، أدرجاهُ فيهِ، ويَرونَ أنهُ غَلطٌ، قلتُ: بلْ هو صحيحٌ كما رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ، ولهُ شَواهدُ أُخَرُ:
فعن ابنِ جُرَيجٍ عن أبي الزُّبَيْرِ عن جابرٍ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: " لو بعتَ من أخيكَ ثمراً فأصابتهُ جائحةٌ، فلا يحلُّ لكَ أن تأخذَ منهُ شيئاً، بمَ تأخذُ مالَ أخيكَ بغيرِ حقٍّ " (٨)، رواهُ مسلمٌ.
ورُويَ أيضاً من حديثِ ابنِ عُيَيْنةَ عن حُمَيْدِ بنِ قَيسٍ عن سُلَيْمانَ بنِ عَتيقٍ عن جابرٍ: " أنَّ رسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهى عن بيعِ السِّنينِ، وأمرَ بوضعِ الجوائحِ " (٩).
وهذه أدلةُ القولِ القديمِ في الأمرِ بوضعِ الجوائحِ، وإنَّ الثمرةَ إذا تَلِفتَ بعدَ النخلةِ، أنها تتلفُ من ضَمانِ البائعِ.
(٦) مسلم (٥/ ١١).
(٧) البخاري (٢١/ ٧) ومسلم (٥/ ٢٩).
(٨) مسلم (٥/ ٢٩).
(٩) مسلم (٥/ ٢٠ و ٢٩).