فهذا دليلٌ على اشتهارِ القِراضِ عندَهُم، وجريانِهِ بينَهم، ولو لمْ يكنْ في ذلكَ إلا فعلُ عمرَ، فهذا في صَدرِ الصَّحابةِ، ولمْ يُنقَلْ لهُ مُخالفٌ من الصّحابةِ معَ اشتهارهِ بينَهمْ، لكانَ كافياً، وقدْ قالَ عليهِ السّلامُ: " اقْتدوا باللذينِ من بَعدي بأبي بكرٍ وعمرَ " (٤)، وقالَ عليهِ السلامُ: " عليْكُمْ بسنَّتي وسُنّةِ الخلفاءِ الراشدين من بَعدي " (٥).
ثمَّ روى مالكٌ عن العَلاءِ بنِ عبدِ الرّحمن بنِ (٦) يعقوبَ مَوْلى الحرقةِ عن أبيهِ عن جدّهِ: " أنهُ عَمِلَ لعثمانَ بنِ عفّانَ على أنّ الربحَ بينَهما " (٧)، وهذا صحيحٌ عنهُ.
وقد جاءَ في البابِ أحاديثُ.
فعن رُوَيْفعِ بنِ ثابتٍ: أنهُ قالَ: " إنْ كانَ أحدُنَا في زمانِ رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ليَأخُذ نِضْوَ أخيهِ على أنّ لهُ النصفَ جائزاً ممّا يَغنمُ، ولهُ النصفُ، وإن كانَ أحدُنا ليَطيرُ لهُ النّصلُ والريشُ، وللآخرُ القدحُ " (٨)، رواهُ أحمدُ، وأبو داود، فإذا كانَ هذا جائزاً معَ هذا، ففي المالِ بطريقِ الأولى، لكن في إسنادِهِ اختلافٌ.
وعن صُهَيبِ بنِ سِنان، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: ثلاثٌ، فيهنَّ البركَةُ: البيعُ إلى أجَلٍ، والمُقارَضةُ، وأخلاطُ البُرِّ بالشّعيرِ للبيتِ لا للبيعِ " (٩)، رواهُ ابنُ ماجة، وإسنادُهُ: غَريبٌ.
وأصرحُ من هذا كلّهِ: ما رواهُ الدارَقُطنيُّ عن ابن عبّاسٍ، قالَ: " كانَ العباسُ بنُ عبد المطلبِ إذا دفعَ مالاً بمضاربةٍ يشترطُ على صاحبهِ أن لا يسلكَ به بَحراً، ولا ينزلُ بهِ وادياً، ولا يشتريَ به ذاتَ كبد رطبةٍ، فإنْ فعلَ فهو ضامنٌ، ورفعَ شرطَهُ إلى رسولِ
(٤) الترمذي (٥/ ٦١٠) وابن ماجة (٩٧) وأحمد (٥/ ٣٨٢ المتن).
(٥) أبو داود (٢/ ٥٠٦) والترمذي (٥/ ٤٤) وأحمد (المتن ٤/ ١٢٦).
(٦) بالأصل: عن ابن يعقوب مولى الحرقة، والصواب: العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، كما في الكبرى للبيهقي (٦/ ١١١) وغيرها.
(٧) مالك (٢/ ٨٨).
(٨) أحمد (٤/ ١٠٨) وأبو داود (١/ ٩).
(٩) ابن ماجة (٢٢٨٩).