بنتَ عبدِ الرّحمن حينَ دخلتْ في الدمِ من الحيضةِ الثالثةِ، قالَ ابنُ شهاب: فذكرتُ ذلكَ لعمْرةَ، فقالتْ: صدَقَ عُرْوة، وقد جادَلتها في ذلك ناسٌ، وقالوا: إنّ الله يقولُ: " ثلاثةَ قروءٍ "، فقالتْ عائشةُ: صدَقْتُم، وهلْ تدرونَ، ما الأَقراءُ؟ الأطهارُ ".
وبهِ قالَ الزُّهريُّ: سمعتُ أبا بكرِ بنَ عبدِ الرّحمنِ يقولُ: " ما أدركتُ أحداً مِن فقهائنا، إلا وهو يقولُ هذا، يريدُ الذي قالتْ عائشةُ " (٤).
ثمَّ رَوى الشافعيُّ عن ابنِ عمرَ: مثلَ قولِ عائشةَ، قالَ: وهو مذهبُ جماعةٍ من التابعين.
قالَ مالكٌ: وهو الأمرُ الذي أدركتُ عليهِ أهلَ الحديثِ.
قالَ الشافعيُّ: وعلى ذلكَ يدلُّ الكتابُ، واللسانُ، ثمَّ شرعَ في تقريرِ ذلكَ. وأجادَهُ أبو عُبَيْدٍ القاسمُ بنُ سَلامٍ في كتابِ الغريبِ، وحكاهُ عن أبي عُبيْدةَ، وأنشدَ في ذلكَ:
مُورِّثةً عِزّاً وفي الحيّ رفعةٌ... لما ضاعَ فيها مِن قروءِ نسائكا
يعني: أنهُ أثرَ الغزوَ على القعودِ، فضاعتْ قروءُ نسائهِ بلا جماعٍ، فدلَّ على أنها الأقراءُ ".
وقيلَ: إنَّ القُرْءَ: الحيضُ، لقولِهِ عليهِ السّلامُ: " دَعي الصّلاةَ أيامَ أقرائِك " (٥). وقد أجابَ الشافعيُّ عن هذا بأنهُ مَرويٌّ بالمعنى من الحديثِ الآخرِ: " لتنظر الأيامَ واللياليَ التي كانتْ تحيضهنَّ من الشّهر، فتترك الصلاةَ " (٦)، وقيلَ: هي مشتركةٌ بينَ الحيضِ والأطهارِ، وقيلَ: القدرُ المشتركُ بينَهما.
قالَ الثّوريُّ عن حمّادٍ والأعمشِ وعن منصورٍ عن إبراهيمَ عن عَلْقمةَ: " أنهُ طلّقَ امرأتَهُ تطليقةً أو تطليقتين، ثمّ حاضتْ حَيْضةً أو حيضتين، ثمَّ ارتفعَ حيضُها سبْعةَ عَشر
(٤) الشافعي (٥/ ١٩١)، والبيهقي من طريقه (٧/ ٤١٥) مع قول أبي بكر بن عبد الرحمن، وأخرج نحوه عن ابن عمر من طريق الشافعي أيضاً.
(٥) الدارقطني (١/ ٢١٢).
(٦) النسائي (١/ ١٢٠).