يرفعُهُ، قالَ: " مَنْ فتلَ عصفوراً فما فوقَها بغيرِ حقِّها سألهُ اللهُ عنها يومَ القيامةِ، قيلَ: يا رسولَ اللهِ، وما حقُّها؟، قالَ: أن تذبحهُ فتأكلَهُ، لا تقطعَ رأسَهُ فترميَ بهِ " (٩٨).
وقالَ الشافعيُّ: قد عقرَ حَنْظلةُ بنُ الرّاهبِ يومَ أُحُدٍ بأبي سفيانَ فرسَهُ وبرَكَ عليهِ ليقتلَه، فجاءَ ابن شعوبٍ فاستنقذَ أبا سفيان وقتلَ حَنْظلةَ.
وهذا الذي ذكرَهُ الشافعيُّ مذكورٌ في السيرةِ وغيرِها، ولمْ يزلْ ذلكَ معمولاً بهِ في الحروبِ، كما روى مسلمٌ عن سَلمةَ بنِ الأكوعِ أنّ الأخرمَ عقرَ بعبدِ الرّحمن بنِ عُييْنةَ ابنِ بدرٍ فرسَهُ، وقتلَهُ عبدُ الرّحمن، وذلك يومَ ذب قَرَدٍ. . الحديث بطولِهِ " (٩٩)، وتقدَّمَ أنّ المدَديّ عقرَ بذلكَ الرّوميَّ فرسَهُ.
فأمَّا الحديثُ الذي رواهُ أبو داودَ من حديثِ محمدِ بنِ إسحاقَ، قالَ: حدَّثني يحيى بنُ عبّادِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ عن أبيهِ، قالَ: " حدَّثني أبي الذي أرضعني وكانَ أحد بَني مُرّة بنِ عَوفٍ، قالَ: والله لكأني أنظرُ إلى جعفرِ بنِ أبي طالبٍ يومَ مُؤتةَ حينَ اقتحَمَ عن فرسٍ لهُ شقراء فعقرها، ثمّ قاتلَ حتَّى قُتِلَ " (١٠٠)، فإنّ سندَهُ جيّدٌ، لكنْ قالَ أبو داود: هذا الحديثُ ليسَ بذاكَ القويِّ، وقد جاءَ فيهِ نهيٌ كثيرٌ عن الصّحابةِ.
وقالَ الشافعيُّ: إنْ قالَ قائلٌ: فقد رُويَ أنّ جعفراً عقرَ عندَ الحربِ، فلا أحفظُ ذلكَ من وجهٍ يثبتُ عندَ الانفرادِ، ولا أعلمُهُ مشهوراً عندَ عوامِ أهلِ العلمِ بالمَغازي، وقالَ البيهقيُّ: الحفّاظُ يتَوقّونَ ما ينفردُ بهِ ابنُ إسحاقَ، وإنْ صحَّ فلعلَّ جعفراً لمْ يبلغْهُ النَّهيُ.
قلتُ: المحْذورُ (١٠١) من ابن إسحاق تدليسُهُ، وقد صرَّح هنا بالسّماعِ، فزالَ، واللهُ أعلمُ. وقدْ يحتملُ هذا من جعفر رضيَ الله على أنهُ خشيَ أنْ يُقتلَ فيأخذَ العدوُّ
(٩٨) الشافعي (٨/ ٤٤٨ الأم مع المسند) وأحمد (المتن ٢/ ١٦٦) والنسائي (٧/ ٢٣٩) والشافعي (٤/ ٢٢٤) الأم.
(٩٩) مسلم (٥/ ١٩٣).
(١٠٠) أبو داود (٢/ ٢٧)، والبيهقي (٩/ ٨).
(١٠١) بالأصل غير بينة، ولعلها هكذا، أو ما يشبه هذا، والله أعلم.