" من أخذَ شيئاً، فهو لهُ "، وذلكَ قبلَ نزولِ الخمسِ، واللهُ أعلمُ، ولمْ أعلمْ شيئاً يثبتُ عندنا عن رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بهذا، وقالَ في الأُمِّ: ذهبَ بعضُ الناسِ في جوازِهِ، ولا أرى شيئاً من الأثرِ يدلُّ عليهِ، ولو ذهبَ إليهِ ذاهبٌ كان لهُ تأويلٌ.
قالَ ابنُ الصّبّاغ: فقدْ أومأ إلى قولين، أحدُهما: يجوزُ، وهو قولُ أبي حنيفة، ووجَّههُ بالحديث المذكورِ: " أنَّ رسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قالَ يومَ بدرٍ: " مَنْ أخذَ شيئاً، فهو لهُ ".
قلتُ: وهذا الحديثُ ليسَ بمعروفٍ، وقدْ اعترفَ الحافظُ البيهقيُّ بأنهُ لا يعرفُهُ أيضاً، وإنما المعروفُ حديثُ ابنِ عباسٍ المتقدّمِ: أنَّ رسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قالَ يومَ بدرٍ: " من فعلَ كذا، وكذا، فلهُ من النَّفلِ: كذا وكذا "، قالَ: والثاني: لا يجوزُ، لأنَّ فيهِ تفويتَ حقِّ أهلِ الخمسِ كما لو شُرِطتْ الغنيمةُ لغيرِ الغانمين، قالَ: والخبرُ إن صحَّ فمنسوخٌ بالخمسِ، ولهذا أسهم لجماعةٍ ممّنْ لمْ يشهدْ بدراً من الغنيمةِ، واللهُ أعلمُ.
عن عُقْبةَ بنِ عامرٍ: " أنَّ عمرو بنَ العاصِ، وشُرَحبيلَ بنَ حسنةٍ بعثاهُ بَريداً إلى بكرٍ الصّدّيقِ رضيَ اللهُ عنهُ برأسِ نياقٍ بطريقِ الشامِ، فلما قدمَ على أبي بكر، أنكرَ ذلكَ، فقال له عقبةُ: يا خليفةَ رسولِ اللهِ، إنّهم يصنعونَ ذلكَ بنا، قالَ: أفيَسْتنّانِ بفارسَ والرّومِ؟، لا يُحملُ إليَّ رأسٌ، إنّما يَكفي الكتابُ والخبر " (١١٩)، رواهُ البيهقيُّ بإسنادٍ صحيحٍ.
وعن الزُّهريِّ، قالَ: " لمْ يُحمَلْ إلى رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رأسٌ إلى المدينةِ قط، ولا يومَ بدرٍ، وحُملَ إلى بكرٍ رأسٌ، فكرهَ ذلكَ، وأوّلُ من حُمِلتْ إليه الرؤوسُ عبدُ اللهِ ابنُ الزُّبيرِ " (١٢٠)، رواهُ البيهقيُّ أيضاً.
عن عِمْرانَ بنِ حُصيْنٍ، قالَ: " أُسِرت امرأةٌ من الأنصارِ، وأُصيبتِ العَضْباءُ، وكانتِ المرأةُ في الوثاقِ، وكانَ القومُ يُريحون نعمهُمْ بين يَدي بيوتهم، فانفلتَتْ ذاتَ ليلةٍ من الوثاقِ، فأتتْ الإبلَ فجعلَتْ إذا دنَتْ من البعيرِ رَغا فتتركُهُ، حتّى تَنتهيَ إلى العَضباءِ
(١١٩) البيهقي (٩/ ١٣٢).
(١٢٠) البيهقي (٩/ ١٣٢).