وعنهُ عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قالَ: " من طلبَ قضاءَ المسلمين حتّى ينالَهُ، ثمَّ غلبَ عدلُهُ جَوْرهُ، فلهُ الجنّةُ، ومن غلبَ جورُهُ عدلَهُ، فلهُ النّارُ " (٧)، رواهُ أبو داودَ بإسنادٍ حسَنٍ.
وفيهِ دلالةٌ على جوازِ السّعي في ولايةِ القضاءِ، لكنَّ الأولى أن لا يَتعاطى ذلكَ لما تقدّمَ من الأحاديثِ.
ولما وردَ من طريقٍ جيّدةٍ عن أبي هريرةَ: أنّ رسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قالَ: " من وَليَ القضاءَ، ذُبحَ بغيرِ سِكينٍ " (٨)، رواهُ أبو داودَ، والترمذيُّ، وابنُ ماجة.
قد بعثَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُعاذَ بنَ جبلٍ، وأبا موسى الأشْعريِّ رضيَ اللهُ عنهما حاكميْن إلى اليمنِ، وأردَفَهُما بعليِّ بن أبي طالبٍ حاكماً أيضاً، فدلَّ على أنهُ إذا دعتِ الحاجةُ إلى توليةِ قاضيينِ في البلدِ الواحدِ، جازَ.
قالَ أبو داود: حدَّثنا الربيعُ بنُ نافعٍ عن يزيدَ يعني: ابنَ المِقْدام بن شُرَيْحٍ عن جدِّهِ شُريْحٍ عن أبيهِ هانئ: " أنهُ لما وفدَ إلى رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ معَ قومهِ، فسمعهمْ يُكنّونهُ بأبي الحكم، فدعاهُ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فقالَ: إنّ الله هو الحكمُ، وإليه الحكم، فلم تُكنَّ أبا الحكم؟، قالَ: إنّ قومي إذا اختلفوا في شيءٍ، أتوني فحكمتُ بينَهمْ، فرضيَ كلا الفريقين، فقالَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: ما أحسنَ هذا، فما لكَ من الولدِ؟، قالَ: لي شُريحٌ، ومسلمٌ، وعبدُ الله، قالَ: مَنْ أكبرُهُمْ؟، قالَ: قلتُ: شُريْحٌ، قالَ: فأنتَ أبو شُرَيْحٍ " (٩).
فيهِ دلالةٌ على جوازِ التحكيم مُطلقاً، وهو الصّحيحُ من القولين، واللهُ أعلمُ. أمَّا شروطُ القاضي، فكالإمامِ سواء، وقد تقدَّمتِ الأدلّةُ هناكَ، ونذكرُ هنا حديثَ بُرَيدةَ بنِ الحصيبِ الأسْلميّ رضيَ اللهُ عنهُ عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أنهُ قالَ: " القضاةُ ثلاثةٌ، واحدٌ في الجنةِ، واثنان في النّارِ، فأمّا الذي في الجنةِ، فرجلٌ عرفَ الحقَّ وقضى بهِ، ورجلٌ عرفَ
(٧) أبو داود (٢/ ٢٦٩).
(٨) أبو داود (٢/ ٢٦٨) والترمذي (٢/ ٣٩٣) وابن ماجة (٢٣٠٨).
(٩) أبو داود (٢/ ٥٨٥).