أُسارى بدرٍ، لما شاورَ عليه السلامُ فيهم أصحابَهُ، فأشارَ الصّديقُ بمُفاداتهم، وأشارَ الفاروقُ بقتلهم، فهَوى رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ (٣٤) ما قالَ أبو بكر، ولمْ يهْوَ ما قالَ عمرُ، حتّى نزلَ القرآنُ بوفاقِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُ، والحديثُ مبسوطٌ في صحيحِ مسلمٍ.
عن ابنِ عبّاسٍ عن مُعاذٍ رضيَ اللهُ عنهُ: " أنّ رسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لما بعثَهُ إلى اليمنِ، قالَ: كيفَ تقضي إذا عرضَ لكَ قضاءٌ؟، قال: أقضي بكتاب الله، قال: فإن لم تجده في كتاب الله؟، قال: فبسُنَّة رسولِ الله، قالَ: فإنْ لمْ تجدْ في كتابِ اللهِ ولا في سُنّة رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قالَ: اجتهدُ رأيي، ولا آلو، فضربَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صدرَهُ، وقالَ: الحمدُ لله الذي وفّقَ رسولَ رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لما يُرضي رسولَ اللهِ " (٣٥)، رواهُ أبو داودَ، والترمذيُّ من حديثِ شُعْبةَ عن أبي عَوْن محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الثّقفي عن الحارث بنِ عَمْرو ابنِ أخي المغيرةِ بنِ شُعْبةَ عن أُناسٍ من أهلِ حِمْص من أصحابِ معاذٍ عنهُ.
قالَ الترمذيُّ: ولا نعرفُهُ إلا مِن هذا الوجهِ، وليسَ إسنادُهُ عندِي بمتصلٍ.
قلتُ: بلْ هو: حديثٌ حسنٌ مشهورٌ، اعتمدَ عليهِ أئمةُ الإسلامِ في إثباتِ أصلِ القياسِ. وقد ذكرتُ لهُ طرقاً، وشواهدَ في جزءٍ مفردةٍ، ولله الحمدُ والمِنّةُ.
والغرضُ من إيرادِهِ هنا: أنه لا يجوزُ للحاكمِ أن يُقَلِّدَ غيرهُ في الحكمِ، وقد كتبَ عمرُ بنُ الخطابِ إلى شُرَيْحٍ القاضي يأمرُهُ بالحُكمِ بالكتابِ، ثمّ بالسّنةِ، ثمّ بما اتّفقَ عليهِ الناسُ، ثمّ بالاجتهادِ " (٣٦)، رواهُ النّسائيُّ في سُنَنِهِ بإسنادٍ صحيحٍ.
عن عبدِ الله بنِ الزُّبيْر، قالَ: " قضى رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أنَّ الخصمين يَقعُدان بينَ يدي الحاكم " (٣٧)، رواهُ أبو داودَ.
وعن عليٍّ: " أنهُ لما تحاكمَ هو واليهوديُّ إلى شُرَيْحٍ ترفّعَ عليهِ في المجلسِ،
(٣٤) مسلم (٥/ ١٥٧).
(٣٥) أبو داود (٢/ ٢٧٢) والترمذي (٢/ ٣٩٤).
(٣٦) النسائي (٨/ ٢٣١).
(٣٧) أبو داود (٢/ ٢٧١)، فيه مصعب بن ثابت ولا يحتج بحديثه.