ثالثا: جهود الحافظ ابن كثير في هذا الفن
لا بد لنا أن نقدم لهذا بشيء يسير عن جهود الإمام الحافظ ابن كثير -عليه رحمة الله- في السنة النبوية المشرفة١, فأقول وبالله التوفيق:
لا يخفى على طالب العلم, ما بذله الإمام ابن كثير في خدمة العلم عامة، والسنة النبوية بشكل خاص، وإن آثاره العظيمة في ذلك لهي شاهدة بذلك. ففي تفسيره للقرآن العظيم، جعل تفسير القرآن بالسنة بعد تفسير القرآن بالقرآن٢، وهو في ذلك يورد الروايات في تفسير الآية، ويصحح ما صح، ويبين المعلول. فانظر مثلا في تفسيره ٢/ ٣٣٢-٣٣٥ عند تفسير قوله تعالى:
{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ٣.
فقد صدر الباب بحديث البخاري، ثم جاء بأحاديث أخرى وعزاها إلى مخرجيها، وذكر روايات، وحكم على بعضها بالصحة وأخرى بالضعف, وهكذا في كل تفسيره.
وفي كتاب البداية والنهاية, وهو كتاب في التاريخ، انظره كيف يسوق الروايات في حادثة معينة، ثم يبين ما بها. فانظر مثلا في ٦/ ١٢٣-١٢٥ في معجزاته -صلى الله عليه وسلم- باب انقياد الشجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، صدّر الباب برواية الإمام مسلم، ثم ساق في الباب روايات أخرى بأسانيدها وحكم عليها, حتى إن الحافظ ابن حجر جمع ما في هذا الكتاب من الأحاديث والآثار، وجعلها في مصنف مستقل، أسماه: "ما ورد من الرواية في البداية والنهاية"٤.
وإذا نظرنا إلى جهوده في تآليفه المستقلة, في الحديث خاصة، وجدناها جهودا جبارة، وأعمالا عظيمة، تنوء بها الجماعات والمؤسسات فما بالنا بالأفراد, فانظر كتابه الضخم "جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سَنَن"٥، جمع فيه ما يربو على المائة ألف حديث، من عشر كتب هي
١ كتب في هذا الموضوع فضيلة الشيخ الدكتور العجمي الدمنهوري خليفة رسالة دكتوراه بعنوان "جهود الحافظ ابن كثير القرشي في علم الحديث رواية ودراية" ونال بها درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر.
٢ انظر مقدمة التفسير ١/ ٣-٦, وانظر الإمام ابن كثير المفسر ص٢٢٥-٢٤٧.
٣ سورة التوبة: الآية ٣.
٤ انظر جهود الحافظ ابن كثير ص١٧٣-١٨٩.
٥ توجد منه نسخة بدار الكتب المصرية بخط الحافظ في ٧٨ ورقة تحت رقم ٥٢٢-٤٤٤ تاريخ. ومصورة في جامعة الدول العربية تحت رقم ٧٧١.
انظر الحافظ ابن كثير وجهوده ص٦٥.