والذي يراجع ذلك الجهد المتطاول الذي بذله الإسلام لتقرير كلمة الفصل في ذات الله- سبحانه- وفي صفاته. وفي علاقته بالخلق وعلاقة الخلق به..
ذلك الجهد الذي تمثله النصوص الكثيرة- كثرة ملحوظة- في القرآن المكي بصفة خاصة، وفي القرآن كله على وجه العموم..
الذي يراجع ذلك الجهد المتطاول، دون أن يراجع ذلك الركام الثقيل، في ذلك التيه الشامل، الذي كانت البشرية كلها تخبط فيه، والذي ظلت تخبط فيه أيضا كلما انحرفت عن منهج الله أو صدت عنه، واتبعت السبل، فتفرقت بها عن سبيله الواحد المستقيم..
الذي يراجع ذلك الجهد، دون أن يراجع ذلك الركام، قد لا يدرك مدى الحاجة إلى كل هذا البيان المؤكد المكرر في القرآن، وإلى كل هذا التدقيق الذي يتتبع كل مسالك الضمير وكل مسالك الحياة.
ولكن مراجعة ذلك الركام تكشف عن ضرورة ذلك الجهد، كما تكشف عن عظمة الدور الذي جاءت هذه العقيدة لتؤديه في تحرير الضمير البشري وإعتاقه، وفي تحرير الفكر البشري وإطلاقه، وفي تحرير الحياة. والحياة تقوم على أساس التصور الاعتقادي كيفما كان.
عندئذ ندرك قيمة هذا التحرر في إقامة الحياة على منهج سليم قويم، يستقيم به أمر الحياة البشرية، وتنجو به من الفساد والتخبط ومن الظلم أو الاستذلال ... وندرك قيمة قول عمر- رضي الله عنه- «ينقض الإسلام عروة عروة من نشأ في الإسلام ولم يعرف الجاهلية» .. فالذي يعرف الجاهلية هو الذي يدرك قيمة الإسلام، ويعرف كيف يحرص على رحمة الله المتمثلة فيه، ونعمة الله المتحققة به.
إن جمال هذه العقيدة وكمالها وتناسقها، وبساطة الحقيقة الكبيرة التي تمثلها.. إن هذا كله لا يتجلى للقلب والعقل، كما يتجلى من مراجعة ركام